أنت هنا

قراءة كتاب الصدأ

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الصدأ

الصدأ

تجمع الكاتبة العراقية الكردية ليلى جراغي في روايتها "الصدأ"، مكوّنات تتيح لها مقاربة مفهوم الهوية المتشظية كمقدمة لإرساء السلام الداخلي ووحدة الذات المتعددة، من خلال سبعة مشاهد تستعرض فيها الشخصيات مخاوفها وأحقادها المتراكمة وكيفية تسلسل استيطانها، عبر خيار

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6
أجل .. مجرد خواء وندم ...هكذا راحت نرجس تردد وتعيد وتندب حظها العاثر بزواجها وتدور حول نفسها، ثم فجأة حط الترقب بدل التذمر رحاله في نفسها وعقلها حالما تناهى إلى سمعها صوت سيارة قادمة وهي تخرق سكون الليل، ثم توقفت فجأة أمام البيت فاستبشرت أساريرها ، وتمتمت بالدعاء وكلها رجاء بأن القادم يكون ابنها كمال ، وتمنت وهي تمد بصرها من وراء الزجاج لتنظر إلى الخارج أن تراه أمامها لعله يعينها في مصيبتها، ويأخذها لتتفقد أحوال أبنتها ، فوجأت برؤية جارتهم الهندية الأصل تترجل برفقة رجل لم يسبق لها أن رأته من قبل ، فراحت تتمتم بضيق شديد بينها وبين نفسها:
 
هذه الهندوسية العاهرة لا تشبع من الرجال أبداً ، لا يمضي أسبوع على علاقتها بشخص حتى تمل وتقفز كالقردة إلى شخص آخر ، أيه .. ما الذي ستخسره في حياتها ، لا ولد ولا تلد ونحن نصيبنا من الدنيا الهم والغم وتحمل ثقل دمها وإزعاجها الدائم لنا، بحفلاتها المتلاحقة التي تضج بالمدعوين الذين لا ينفكون عن القهقهة والحديث بصوت عالي، والرقص على أنغام الموسيقى الهندية، والغربية، والتخبيط بأرجلهم طوال الليل فوق رؤوسنا، ليشعروننا في حينها وكأن السقف سينهار لا محالة علينا ، ومع ذلك لم يكن أمامنا الكثير من الخيارات غير الصبر ، أو الاتصال بالشرطة ، وكنا بحكم الجيرة نرجح الصبر أغلب الأحيان . ولكن هذه العاهرة لا تقدر ما نتحمله من جراء استهتارها ، فتتعمد تجاهلنا، وتتجنب القاء السلام علينا حتى حين يتصادف لقائنا في السوق أو قرب المنزل وكأننا أعدائها.
 
أخذ غضبها يتصاعد صوب جارتها الهندوسية وهي تراها تعبر من أمام نافذتها تتمايل متأبطة ذراع صديقها متحدية بأنوثتها الرياح والمطر وصوت كعبها العالي يرن بإيقاع مستفز يتبعها إلى أخر السلم وحتى داخل شقتها ، ثم خيم بعدها الصمت والسكون وقد داهمت نرجس مشاعر الإحباط والحسد يتخللهما شعور آخر بالخجل فتعوذت في الحال من شر الشيطان الرجيم ، وعيونها تتابع بتوجس سكون المباني وظلام الشرفات والعشب الداكن المسترخي فوق الجدران العتيقة، وذلك الضوء الخافت الممتد على طول الشارع يعكس لونه القرمزي فوق أسطح العربات المتوقفة ويتراقص بفعل الريح الشتوية بين فروع الأشجار العارية من الأوراق ، فأدارت ظهرها للنافذة وتوجهت بكل حواسها للهاتف الملقى فوق الطاولة الكبيرة التي تظم جهاز الحاسوب وبعض الأغراض الأخرى، ترددت للحظات وهي تحملق بقلق في الساعة المعلقة وسط الجدار حيث راحت تعلن بدقاتها الرتيبة الواحدة بعد منتصف الليل ، فأخافها الوقت ، وسباق الزمن ، وأزعجها الأثاث القديم المحتشد حولها بلا انتظام واستحوذت عليها الخيبة وهي تعود أدراجها لتقف كالمتسولين أمام زوجها سعيد وتمد نحوه يدها لتوقظه وهي غير واثقة تماماً من تجاوبه معها ، فرفع سعيد رأسه بتثاقل ، وقد زاد انعكاس ضوء الشموع الموضوع فوق الطاولة الاحمرار في عينيه، وبانت لها أكثر ضيقاً وبؤساً من أي وقت مضى ، مما جعلها تشعر نحوه بمزيج من النقمة والإشفاق ، وهي تخبره بما سمعته من تلك المرأة حسيبة وتطلب منه بصوت يشوبه التوسل لعله يستجيب لها ويرافقها إلى بيت أبنتهم الواقع في أحدى الضواحي القريبة التي لا تبعد عن الحي الذي يقيمون فيه أكثر من نصف ساعة بواسطة السيارة ، فأبى وأمتعض، وجهه المحتقن أصلاً بفعل النوم والسكر ، مما أثار حفيظتها فصاحت في وجهه
 
ـ أصحا يا رجل ، وأنهض لترافقني في الحال ، أبنتك نهال في خطر

الصفحات