تجمع الكاتبة العراقية الكردية ليلى جراغي في روايتها "الصدأ"، مكوّنات تتيح لها مقاربة مفهوم الهوية المتشظية كمقدمة لإرساء السلام الداخلي ووحدة الذات المتعددة، من خلال سبعة مشاهد تستعرض فيها الشخصيات مخاوفها وأحقادها المتراكمة وكيفية تسلسل استيطانها، عبر خيار
أنت هنا
قراءة كتاب الصدأ
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
قاطعتها منال بضيق :
ـ أوه ماما ، نفس الاسطوانة المشروخة ، من هي حسيبة هذه الأخرى ؟ أتقصدين تلك السيدة المغربية الأصل التي كانت نهال تحدثنا عنها
ـ أجل . هي بعينها
ـ أرجوك يا ماما ، لا تثقي بكلام تلك المرأة . إنها تزور الحقيقة وتبالغ في الأمور وفق رؤيتها ، يا لها من ..
انفجرت نرجس في وجهها بطريقة لاإرادية مقاطعة إياها :
ـ يا لسوء سلوكك ، أختك في خطر . وأنت تجادلينني وكأن شيء لم يحدث ، فكري معي ماذا علينا أن نفعل في هذه المصيبة ؟
ظهر التوتر على وجه منال وحاولت أن تنهي الموضوع لصالحها :
ـ عذراً ماما ، ليس بيدي شيء أفعله لأجلك ، فالوقت متأخر . ولا يوجد في مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل مواصلات، غير سيارات الأجرة، فبإمكاني فقط أن أستدعي لك الآن بواسطة الهاتف واحدة لتقلك إلى حيث تشائين ، ولكن حسب علمي أنك لا تتجرئين على الخروج في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل لوحدك ، وهذه بحد ذاتها مشكلة لأني في الحقيقة لا أستطيع مرافقتكِ، فلابد أن أصحو باكراً لأن لديّ في بداية الحصة امتحان في الفيزياء، وأنت تعلمين كم أعاني من استيعاب ذلك الدرس السخيف ، فالأفضل لكلينا الآن هو الاتصال بجمال أو كمال .
استمعت نرجس لابنتها، بينما كان في أعماقها تتصارع مشاعر الحب ممتزجة بالشك والحزن، وهي تتأمل ملامحها الجميلة التي تصورتها في لحظات خالية من العطف ـ يا إلهي كيف بمقدور هذه المخلوقة التي أرضعتها من صدري أن تتصرف معي بهذا البرود، وهي من كانت على مدار السنين تبدو لي عصفورة صغيرة، لا يمكنها الاستغناء عن دفئي وظلي ! من أين اكتسبت هذه القدرة على التصدي والرفض لكل ما يخص حياتنا وعاداتنا وتقاليدنا ؟ لماذا ترفض حتى قلب والدتها الذي لا يمكنه الاستغناء عن حبها، مهما تشَّرب مع الوقت من عنادها وقسوتها ؟ كيف أستفحل هذا الشرخ العميق بين ما نملكه نحن من بقايا أرث وتاريخ أدمّنا على مزاولته بسبب الخوف من غربتنا وبين ذاتها المتمردة ؟ كيف لم ألاحظ بمرور السنين الأخيرة انسحابها التدريجي من حياتنا، التقيم وحدها حرباً ضدنا وضد حاضرنا وماضينا ! يا خالق السماء والأرض من المسؤول عن هذا التغيير الحاصل في سلوكها ؟ أنا ووالدها ؟ أم ديننا وعادتنا وتقاليدنا ؟ أم هذا العالم الغريب المتآمر بكل ما فيه ضد المغتربين أمثالنا ؟