أنت هنا

قراءة كتاب الصدأ

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الصدأ

الصدأ

تجمع الكاتبة العراقية الكردية ليلى جراغي في روايتها "الصدأ"، مكوّنات تتيح لها مقاربة مفهوم الهوية المتشظية كمقدمة لإرساء السلام الداخلي ووحدة الذات المتعددة، من خلال سبعة مشاهد تستعرض فيها الشخصيات مخاوفها وأحقادها المتراكمة وكيفية تسلسل استيطانها، عبر خيار

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
لاحظت منال الدموع تترقرق في عيون والدتها وهي تنظر بعطف صوبها وقد رق قلبها وكادت أن تستجيب لها وهي ترى الحيرة مرسومة بوضوح في ملامحها ، وفكرت لو أنه حقاً قد حصل مكروه لشقيقتها وقبل أن تنطق شفتيها بشيء يثلج قلب والدتها تصدى عقلها في ثواني لمشاعرها ـ ترى هل هناك حقاً ما يستحق كل هذا الضغط العاطفي والنفسي الذي تمر به هذه الأم، التي لا تعرف من الحياة غير التخبط بين الرضى والرفض دون أن يكون لها هدف واضح في الحياة، ما عدا الفراغ وتأويل الأمور وتضخيمها أو التقليل من شأنها وفق حالتها النفسية ، وهروبها الدائم من البيت، والتمتع بقتل الوقت بالتنقل بين الأسواق ومجالس السمر والعزاء، أينما تقام في الجوامع أو في البيوت، وأمي هذه المخلوقة التعيسة تشبههن بكل شيء لقد صارت مع الوقت صورة طبق الأصل عنهن، واحدة من ذلك القطيع الذي أكره الانتماء إليه ، أجل أكره الانتماء إليه، لا أريد أن أكون بائسة مثل أمي، ولا تافهة مثل شقيقتي نهال، التي لا تعرف من الحياة غير الذل تحت شعار الحب الذي لا وجود له، إلا في عقول الضعفاء الحالمين من أمثالها ، ونهال تلك الفتاة البائسة، التي وصمت نفسها بسمة الضعف، طالما هي غير قادرة على فعل شيء غير الشكوى والتلذذ طوال الوقت بعبوديتها مثل الكثير من النساء اللواتي لا يشعرن بأنوثتهن إلا من خلال شخص يستعبدهن ويمتهن كرامتهن . ويسميّن ذلك تضحية وصبر، عجباً ! ... كيف تسمح تلك البلهاء لشخص تعس مثل فؤاد بإذلالها مع أنها ترعرعت هنا ، في هذا البلد القادر على منح الحقوق والحريات ، كان بإمكانها أن تتعلم من هذا العالم المتحضر مثلي، كيف تنظم بوصلة عواطفها، وهي ممسكة بزمام أمورها في قبضة يدها، فتمارس الحب برغبة صادقة دون أن تضطر إلى التخلي عن كرامتها، ولكن من أين لتلك البلهاء أن تتعلم وهي من ولدتها أمي بتلك العاهة المستديمة التي ستظل ترافقها حتماً مدى العمر، ما دامت غير قادرة أصلاً على فهم مشكلتها .
 
تنهدت نرجس بضيق ثم أشاحت بوجهها بعيداً عن نظرات منال المستفزة وهيئتها الباردة المتبلدة ومضت صوب الصالة، وهي تلعن اليوم الذي ولدت فيه أبنائها، وهي تحاول الاتصال بابنتها نهال، مرة ثانية وهي تتأفف بنفاذ صبر، بينما الهاتف آخذ بالرنين واللحظات تمر مقلقة وثقيلة ورأسها مزدحم بالأفكار والأحقاد والخوف، أغلقت الهاتف لثواني، ثم عاودت بعد ذلك بحركة انفعالية وسريعة وقد قررت بينها وبين نفسها أن تستعين حتى ولو بالشيطان نفسه، وفكرت في الاتصال بابنها البكر جمال رغم مقاطعته الطويلة لها، فبدأ عليها التوتر وذهنها المشتت يستعيد تلقائياً جملة من المواقف المبعثرة والمؤلمة ، بينما أناملها أخذت تعبث بشكل قهري فوق الأرقام، دون طائل فتعيد الكرة مرات، ومرات والهاتف آخذ بالرنين ولا أحد يرد عليها. مما رفع من ضغطها ، وجعلها تبدو كالمحمومة وهي تعيد السماعة إلى مكانها وتضرب جبينها بقبضة يدها ، وتسب وتلعن اليوم الأسود الذي ولدت فيه جمال، حالة الحمى هذه جعلتها تهذي بصوت منخفض ومخنوق، يشبه الهلوسة ـ يا إلهي لو كنت أنجبت بدلاً عن جمال كلب لكان الآن أكثر نفعاً منه ، هذا الصعلوك لا يتغير أبداً ، فمند طفولته وهو على هذا الحال من الجحود والعناد ، فقد غلبه الشيطان منذ نعومة أظافره ، فبات لا يسمع غير صوت شياطينه وعفاريته ، فيتصرف وكأنه السيد الآمر الناهي، مع أخوته فيتدخل في أمورهم ويتشاجر معهم، ويستحوذ متى ما يشاء على ما كان يعجبه من ألعابهم وحاجاتهم، وإذا عارضه أحدهم ضربه بقسوة وعنف ليتمادى بعد ذلك كلما كبر قليلاً إلى أن أصبح لا يقيم لي ولوالده أي قيمة أو اعتبار، خصوصاً بعد أن كبر وصار رجل وتزوج، ودس نفسه في جلباب المتدينين ليبتدع بذلك لنفسه طريقة سهلة، تمكنه من أن يقوم بدور الوصي حتى على من أمره الله في خفض الذل عنهم ...

الصفحات