كتاب " العالم رحلة " ، تأليف عبدالله مناع ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب العالم رحلة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ليس من شك في أن "الندوة" وبرغم الجفاف الأكاديمي الذي كان يحاصرها حيناً وتتغلب عليه حيناً آخر.. قد نجحت في التمهيد لقيام علاقات إعلامية أفضل وأوسع بين البلدين الإسلاميين: المملكة وتركيا.. إذا قدر لهذه البداية أن تتواصل وأن تمد بخدمات إذاعية وتليفزيونية وصحافية تقضي على "العتمة" الإعلامية القديمة، وتنعش الحاضر بالأحاديث والبرامج الإذاعية والتليفزيونية المختارة بعناية عن الإنسان والأرض والمدن والثقافة والعلماء والأدباء والمصانع.. لإيجاد قواسم مشتركة من الفهم بين البلدين يمكن أن تؤسس عليها علاقات أقوى وأعمق بين الشعبين.
إنني ما زلت أذكر بكثير من الإعجاب أحداث الفيلم التسجيلي عن حياة وأعمال ووفاة الخطاط التركي الفنان: "واصف".. الذي عرضه علينا رئيس مركز الأبحاث والتاريخ والثقافة الإسلامية باستانبول – التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي – الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو في ختام العشاء الذي استضافنا فيه مع نخبة كريمة من الإخوان الأتراك في أحد فنادق استانبول الأثرية، كمؤشر جيد.. لما يمكن أن يقوم به الإعلام بوسائله المختلفة في خلق التأثير العميق وربط الوجدان بروابط مشتركة.
إلى جانب أعمال "الندوة" وبينها وحولها.. كانت هناك لقاءات وأحاديث دافئة مع شخصيات شاركت في الندوة وأخرى من خارجها، ولا أظنني سأنسى السيد نجاتي أوزفانر "الجنرال" المتقاعد الذي أصبح مديراً عاماً للصحافة والإعلام.. فقد رحب بالبعثة السعودية للندوة في مطار أنقرة.. ولم يغب عنا بعدها في معظم أيامنا الثلاثة التي مكثناها في العاصمة التركية. فقد كان دائم الحضور.. دائم الحيوية.. دائم السعادة بـ"حاضر" تركيا.. شديد الحماسة لكل ما فيها وما عليها.
ولعل هذه الصفات إلى جانب إنجليزيته الطليقة – والتي تعلمها بنفسه من دون معلم.. كما قال – جعلت الحديث يتواصل معه عن "الديمقراطية" التي تعيشها تركيا.. و"الحرية" التي تتمتع بها الصحافة.. وصحافة الغرب التي تتسقط "السلبيات" التركية القليلة وتضخّمها مع ما تختلقه أحياناً.
إن كل شيء يبدو جميلاً رائعاً في الصحافة التركية.. على لسان الجنرال نجاتي مدير عام الصحافة والإعلام وفي عينيه. وبعضه كان أيضاً على لسان الصحافي الشاب: "أنور شيفك" رئيس تحرير جريدة الأخبار اليومية التركية التي يملكها والده.. والذي لم يسعد بتقديري لسنِّه عندما قلت له بأنه نحو الخامسة والثلاثين، إذ أجابني.. بأن كل من رآه كان يعتقد بأنه دون الثلاثين.
إنه شاب نشط.. يمثل الجيل الجديد الذي يجيد لغة أو أكثر غير التركية ولقد رأيناه في حفل السفارة السعودية.. ولمَّا يمض على عودته من المملكة في معية الرئيس كنعان إيفرين غير أسابيع قليلة. لقد سعدت بما سمعته منه عن المملكة.. وعن تطورها.. وعن محادثات الرئيس إيفرين والتي قام بالترجمة فيها "سكرتيره".. لقد قلت له: لا بد وأن أخبار تلك المحادثات التي قام بترجمتها.. قد انتهت إليك لتختار منها لصحيفتك ما تشاء. قال: أبداً.. لقد كان سكرتيراً "عاقّاً" فلم يخبرني بحرف مما سمعه وترجمه.
كان الطقس في أنقرة بارداً.. رغم أننا كنا وقتها في نيسان، ولقد ضاعف من برودة الطقس وهطول أمطار بعد يوم من وصولنا.. ولكن يبدو أن هطول المطر في يوم جلسة افتتاح الندوة قد شجع إحدى السيدات التركيات – خلال الاستراحة بين جلسة الافتتاح والجلسة الأولى – على أن تسألني عن مصادر المياه في بلادنا ومن "أين نشرب"؟..
فقلت لها: إننا نشرب من البحر..
فضحكت بعد أن ظنت أنني "أمزح".. وهي تسألني كيف؟
قلت: من مصانع لتحلية مياه البحر على الخليج وعلى شواطئ البحر الأحمر.
قالت: ولكن المياه لدينا متوفرة.
قلت: ماذا تقصدين..؟
قالت: لماذا لا تأخذون منا "الماء".. وتعطونا بدلاً منه نفطاً..!!
وضحكنا لـ "النكتة" وضحكنا لأن الأمطار التي كانت تهطل في "أنقرة".. كانت تعطل أحلامنا في زيارة حديقة الشعب – في أنقرة – والتي تتميّز عن غيرها.. بإمكانية أن يعد الإنسان بنفسه فنجاناً تقليدياً من الشاي مستخدماً فيه "السموار" – أهل مكة والمدينة يسمونه.. سماور – وكان مؤسفاً أن يفوت عليَّ طقس "أنقرة".. شراء "سموار" لاصطحابه معي إلى جدة، وبقدر أسفي على ذلك.. بقدر فرحي لتمكن شيخنا الحبيب الأستاذ حمد الجاسر من شراء سجادة حرير صغيرة – أقل من متر مربع – لابنته.. التي كانت ولا تزال تصر على شيخنا أن يصطحب لها شيئاً من البلد الذي يزوره، وبالتأكيد.. فإنه أصبح لديها متحف صغير.. فشيخنا – أطال الله عمره ومتّعنا بحياته – هو من أكثر أدباء الجزيرة تجوالاً وترحالاً بين العواصم والمدن والبوادي.
قبل ثلاث ساعات من رحيلنا عن "أنقرة" – العاصمة التركية التاريخية الثالثة بعد "بورصة" واستانبول" – كان لقاء جانب من البعثة السعودية مع فخامة الرئيس كنعان إيفرين. لقد كان اللقاء حميماً.. حافلاً بمشاعر التقدير والإكبار للمملكة كما سبق وأن ذكرت مفصلاً.
ولقد كانت مفاجأتنا فيه.. أن الإذاعية "الهذيلية" في لغتها العربية.. كانت تقوم بالترجمة لفخامة الرئيس.