يحاول الكاتب نعيم عبد المهلهل في كتابه "التاريخ الأسطوري لأحمر الشفاه" الذي يعتبر محاولة مهمة في ربط الحياة بشكل مغاير ومختلف مع العاطفة والوجدان والرغبة والتربية والهواجس والأحلام حتى.
أنت هنا
قراءة كتاب التاريخ الأسطوري لأحمر الشفاه
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
هذه اللحظة الذكورة التي نودع فيها طفولتنا تبهج فينا الرؤية إلى ما قد يكون، وكما نابليون في قوله: بين أحضان جوزفين أرى خطط الحرب كلها، وبين أحضان واحدة تعرف كيف تعطي يصير النصر ممكناً أكثر من إمكانية أن يكون بواسطة حراب البنادق. وعليه فإن قراءة روح المرأة قد يبدأ بجسدٍ يطلق النار ، ومتى يصيب الفؤاد شيئاً من شظايا ذلك اللهب يكشف آدم سرَّ نزوله إلى الأرض, ويعرف يوسف لماذا قُدَّ من دبر ونعطي للفهورور أحقية خيار أن تنتهي به الحياة منتحراً هو وعشيقته إيفا براون، إن استكمال المودة بخيال التمني يتدفق في اللحظة التاريخية لمشاعر صادقةٍ تقودنا إلى طرق الاكتشاف والبحث والصيرورة, ومعرفة أسرار الجنس ودهشته؛ وبالتالي فك الرموز المشفرة لوجودنا, ومثلث برمودا, والجنون, تبدو ممكنة وواضحة دون الحاجة إلى إعلان الحرب, أو الموت شهوةً في سقوطٍ حرٍّ من أعلى ناطحة سحابٍ.
ذلك السقوط الذي ينتظرنا جميعاً في هاوية العدم, أو انتظار ما هو مقدَّر لنا في آخرة الحساب, حيث نقف جنباً إلى جنبٍ مع طوابير النمل والفراشات, وجنود الفرعون وزعماء قبائل الهنود الحمر, وفيلة غابات الهند وقردة تنزانيا, وكل من كان له دبيباً فوق الأرض.
تكشف لحظة انهيار الإنسان ضعف تفكير الروح التي فيه؛ فينهار كيانه الجسدي لتلحقه بلحظاتٍ كل ما كان معه من هواجس وأخيلة وأمنيات وظلٍّ لواحدة كان يمارس معه شغف الوصول إلى الذروة الخفية, ومن ثم يبتعد برأسه بعيداً عنها ليفكر بالقادم من زمنه، برهةٌ من زمنٍ ليست طويلة ليأتيه شبق العودة إليها, فيكون نسيان العالم المحيط أمراً طبيعياً، وهكذا تدور الحياة بين الوسادة, ومعول العلم, وورقة المال, أو جملة الفلسفة, وبراءة الاختراع, وكرسي الحكم, ورابط الجميع يكون ذلك النهد وتلك الشفتين, وذلك الحصير اليابس الذي صنعت أقدامه من وقوف النخل على أزلية المكان؛ ليكتشف أهل سومر أن عطر القصب يمنح الذكر الرغبة بالولوج إلى جوف المرأة حتى في لحظة إعلان نفير ساعة الحرب.
في قراءة متأخرة للسلوك الإنساني لحظة الخلوة أو العزلة القسرية, أو الضياع في صحراء تنتاب البشر حالات متعددة؛ ولكنها ليست كما في اليوم العادي، فجميعها تصبُّ في رغبة المشاركة لهذا تعطي الكثير من الأنظمة لسجنائها حق اللقاء بواحدةٍ, قد تكون في أغلب الحيان بعله؛ ليختلي فيها ولينزع عن هاجسه ذلك الإحساس الذي يحاول أن يبعده عن خط التفكير البشري المعقول، وعليه فإن اللقاء بواحدةٍ يعني وفق هذا المنظور أتزانٌ في العقل أولاً.
فالغريق مثلاً كان يجد في الحكمة صورة الهدوء لفوران العقل, وهي أيضاً كانت ملهماً لثورة الجياع والفقراء والعبيد, عندما يمهد القول لهم صورة الفردوس الذي ينتظرهم بعد أن توفرت لهم المصاهرة حتى لو بأقلِّ قدرٍ من المورد الاقتصادي بعضاً من هذا التصور, حيث الخلود والنساء اللواتي يصبغ الثلج أجسادهن بلهيب النار والرعشة الأبدية، ولهذا كان فقراء الحضارات الشرقية يضعون في الإرث الصوري والكتابي لهم صورة الأنثى على كلِّ رسمٍ, واسمها في كلِّ مدونةٍ ما دامت هي وحدها من حولت حيوانية انكيدو إلى طفلٍ وديعٍ لا يملك مخالب ذئب كما كان, بل أصابع من وردٍ عرفت كيف تداعب بحنانٍ صدر البغي التي بعثها الآلهة لتروضه وتجلبه إلى أوروك ليكون نداً لجلجامش.


