أنت هنا

قراءة كتاب التاريخ الأسطوري لأحمر الشفاه

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التاريخ الأسطوري لأحمر الشفاه

التاريخ الأسطوري لأحمر الشفاه

يحاول الكاتب نعيم عبد المهلهل في كتابه "التاريخ الأسطوري لأحمر الشفاه" الذي يعتبر محاولة مهمة في ربط الحياة بشكل مغاير ومختلف مع العاطفة والوجدان والرغبة والتربية والهواجس والأحلام حتى.

تقييمك:
4.8
Average: 4.8 (5 votes)
الصفحة رقم: 4
تبتسم المسكينة وهي تباعد ساقيها, فتهب نسائم ريحٍ وموسيقى وسعال فقراء جياع في قرى بعيدة.
 
من طرف الخيط إلى طرف الجفن تمتد طفولتنا، وما بعد ذلك تأتي الحياة بشقائها وسعادتها, وحروبها ومحاريث حقولها, وساعات التعبد أو انتظار خطاب الملك ، وبعضهم حياته التشرد أو مصاحبة فقيهٍ وأجملها بدوي في صحراء تيهه يتعطر منه بدن السرير بلذة النوم مع واحدة تحت ظلِّ خيمةٍ.
 
هذا الظل سيوفر له المزيد من الذكريات الذي يقتات بها ليعيش بقية عمره ، يتذكر المرأة ويقارنها بالناقة، يشتهي من حليب ضرعها قبلة الليل, وعندما يرتوي تهبط عليه قباب النجوم ويصنع لليله الميتافيزيقيا الخاصة به، تلك التي تضعه عند حدود النقطة التي تبدأ معنا رحلة الاكتشاف كما أبوللو السابحة بين المجرات لتبحث في الفضاء الغارق في صمت الدهشة والأزمنة الغابرة عن حياة أخرى, ربما تعطينا من لذة الأنثى غير هذه التي ألفناها على الأرض.
 
نسمع ونقرأ من حينٍ ولآخر عبارة: أمنا الأرض.. تحيلنا هذه العبارة إلى شعورٍ بكهرباء خفيفة إلى ذلك الضرع. إلى طفولة الحليب, وقنينة السعال, وإلى الصدر الدافئ كما معطف واحدة تضمك إليها, مثلما يضم المطر الزهرة الظامئة، فبين الطفولة والأم تجلس الرغبة الحسية الأولى لتلك الحاجة التي يكتمل معها إحساسنا بالوجود، ولا أعرف لماذا تأتي تلك العاطفة ملاصقةً لطقوس أول مودةٍ وكأن ذلك الاحتضان هو امتداد لذلك الضرع الذي يقطر حليباً, وحروف أبجدية الكلام الأول: ماما, بابا, دادا... أحاول أن اقرب كلمة دادا مع مفردة ( الدادائية ) تلك المدرسة التي تبني رؤاها على طيش الخيال وتمرده؛ فربما أقف عند حدود تلك اللحظة التي يستعيد فيها الرجل طفولة ضرع النهد, وهو يمتص شهوته الأولى من نهد حبيبته أو بعله، فتصادفني كلمات آندريه برتون القائلة: نحن نمسك باللذة من خلال عرف الديك.
 
عرف الديك هذا هو الرابط ما بين التأتاة الأولى, وما بين الولادة الحضارية لمجموع المنتج الإنساني, وحتماً كل منتج لن يكون فاعلاً ومؤثراً من دون تصاهر وعشق وجماع.
 
لقد كانت الدائية المربوطة بكلمة (دادا) الطفولية تمثل شيئاً من إرهاصات هذا البحث في ثنايا السرير وصريره. لأنني أضع في روح المفاهيم روح تلك الشطحات التي تشبه كثيراً شطحات متصوفة الأمس فهم أيضاً لهم دادائيتهم الخاصة, وهم أيضاً اكتشفوا المشاركة النورانية مع المشاركة الحسية؛ ولكن بمستوى أعقد كثيراً مما تراه الدادائية.
 
إذ كان الصوفيون يرون في عاطفة التلاقي مع الآخر بعض ضرورات اللقاء السماوي الذي ظلوا ينشدوه حتى وهم على مقاصل الموت كما عند الحلاج وغيره من شهداء العشق الإلهي. تعطي الصوفية للمودَّة صورةً غارقةً في الشعرية الموسقة بتعبير من الداخل الملتهب، ولهذا كانوا لا يشغلون نفسهم ببلاغة الجملة بقدر ما كانوا يعتنون بقصد إيصال الفكرة من خلالها. كانت المفردة عندهم واسطة للوصول إلى الحاجة التي يستطيع من خلالها الغارق في تيه التمني أن ينال المنى, ولهذا كانوا يهشمون الرؤيا ليصلوا إلى نقطة ما يصنعها الخيال والتأمل والإطالة في انتظار من نريده، فيما كانت الدادئية من أجل الوصول تهشم في اللغة.وبين الدادائية والصوفية أضع سرير الدهشة وأتمدد على فراشه الوثير على سطح بيت من طينٍ أنتظر أكوام النجوم وهي تسقط على صدري, وكل نجمة تحمل صورة امرأة أجمل من الأخرى.

الصفحات