أنت هنا

قراءة كتاب التاريخ الأسطوري لأحمر الشفاه

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التاريخ الأسطوري لأحمر الشفاه

التاريخ الأسطوري لأحمر الشفاه

يحاول الكاتب نعيم عبد المهلهل في كتابه "التاريخ الأسطوري لأحمر الشفاه" الذي يعتبر محاولة مهمة في ربط الحياة بشكل مغاير ومختلف مع العاطفة والوجدان والرغبة والتربية والهواجس والأحلام حتى.

تقييمك:
4.8
Average: 4.8 (5 votes)
الصفحة رقم: 3
هذا الندُّ الأزلي قد نجده اليوم في صورٍ عديدةٍ ومتكررةٍ، حتى في هيئة الدبابة التي تسحق ببلاده علبة الغذاء الجاهز, بلاط رصيف الذكريات التي مشت عليه أجمل السيقان النحيفة, وهي تطلق ابتسامات الفراشات والبلابل, ودفاتر الرسائل أمام أرائك مقاهي شوارع دجلة والفرات, أو واجهات محلات باتا, أو في زحمة سوق الخضار, وإطلاق جرس نهاية دوام المدارس الثانوية. فكل ما نتملك من شعورٍ بلذة الزمن المستعاد يأتي مع المشاهد الغابرة, أو تلك التي حينما تحضر يحضر معها الشعور بعودة ما يعتقده العلم مستحيلاً أن تمسك بيديك المرتعشتين تفاحة الطفولة.
 
ترتبط الطفولة بدفء السرير بروابط حسيَّة وعقلية وجنسية مثيرة، يمكنها أن تشكل أساسيات بناء الشخصية البشرية، فهي كما يعتقدها غاستون باشلار الوحي الصانع لإبداعنا، هذا الوحي الذي يمتلك أدقَّ التفاصيل عن مغريات جسد بنت الجيران, أو الدمية المطاطية, أو قوام الممثلة الأمريكية مارلين مونرو؛ ليثار فينا وعي الخلق والإبداع البدائي, الذي يجسده ذلك الحس الذي يتوالد فينا مع توالد (تأتأة الكلام), لتصبح الطفولة واحدةٌ من بدايات الصناعة الحضارية لوجود الإنسان منذ قابيل وهابيل وحتى اليوم في افتراضٍ عن طفولة جدنا آدم ـ عليه السلام ـ.
 
هي لا تمتلك مشابهات أرضية كونها لم تعش؛ فقد خلقه الله كاملاً, أو في حالٍ آخر إن طفولة الجنة لا تشبه طفولة الأرض, حيث هي لم تكن نتاج معاناةٍ وكدٍّ وعشقٍ وعوزٍ وعسر تسعة شهور، وعليه فإن النتاج الحسي لطفولة الأرض في رؤيته الصورية هو كمٌّ هائلٌ من الأخيلة والكتب والفلسفة, ورايات حرب وسقوط ممالك, وتدافع أجساد لا تحصى على حرير الأسرة أو سجاد إيوانات المغول, أو كبائش قصب البردي. وحتى على رمل الصحراء الملتهب, كان هناك سرير حبٍّ مدهشٍ, يقودنا إلى امتلاك المتعة والتمتع في بهجةٍ يراد لها أن تصنع كل الجماليات التي أدام فيها الإنسان وجوده منذ زمن جنان دلمون, وحتى زمن الدمعة التي تفترشها واحدةٌ على الرصيف تبيع جسدها لتشتري الخبز.
 
بين الخبز والجنس والطفولة خيطٌ من الرؤية لكونٍ شاسعٍ من الأحداث والأخيلة والتنبؤات، خيطٌ تلونه الرغبات والنوازع والثقافات، فنقول: أبقى طفلاً تبقى لذيذاً، وما يأتي بعد الطفولة هو سعةٌ في العقل.. ووهنٌ في البدن لأن هاجس التفكير بأكثر من متعةٍ يتعدد بأغراض لا تحصى، وبالرغم من هذا تبقى حاجة السرير في قمة الهرم, وقلب القائمة, وبعضهم يقول: اجلب راحتي بمالي ،غير أن الروح الخالصة والتي تطلب من سريرٍ بهجة اللحظة تقول: اطلب حاجتي بقناعتي.وعليه يكتشف العلم اليوم ما نصه:عن متعة سرير الفقير تعيش في أخيلة المودة أكثر بعشر مرات من متعة الغني.
 
لهذا فهي عندما تقول أمام (عاقد القِران ): (متعتك نفسي) فهذا يعني: أنها وهبتك قدرها وشراكة الحلم بفردوسٍ آخر غير هذا الذي تفطر فيه حساءً بارداً وسمناً مخزوناً لشتاءٍ طويلٍ ، فهناك كما يقول السومري لزوجته لحظة نزولهما قبو الأزلية بصحبة الملك المتوفى: هناك سرمد العسل والسمن والحليب, والسرير الذي يغطيه ريش الطاووس, وسنفطر غزالاً, ونتعشى عصافير أجنحتها مدهونةٌ بعسلٍ ودقيقٍ من رحيق أزهارٍ لم تعرفها براري سومر في أزمنتها.

الصفحات