نافذة على القصة القصيرة الفارسية الحديثة، كتاب أدبي نقدي للدكتور احسان صادق اللواتي الاستاذ في جامعة السلطان قابوس في مسقط، صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2011، يتناول الكتاب القصة القصيرة الفارسية الحديثة، ويقول مؤلف الكتاب في تعريفه لعمله: هذ
You are here
قراءة كتاب نافذة على القصة القصيرة الفارسية الحديثة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
أخذ خداداد - بلحيته وشاربه الرماديين وفؤاده الحي الحازم- يخطو خطواته المحكمة وهو يحس بطاقة متجددة في عروقه، ونظرته تمتد ظاهراً على الجادة الرطبة ولوحة السهل الممتد· كانت الريح تداعب بشرته، والأشجار ترقص في نظره، والغربان تحمل له رسالة سعادة، وبدت له الطبيعة كلها فرحة وجميلة· كان يحمل تحت إبطه صرة ذات قماش مخطط ألصقها بنفسه· عيناه كانتا تلمعان، وكلما خطا خطوة بدت ساقه الرياضية من تحت سرواله الطويل الأسود· قميصه كان أزرق سماوياً، وقبعته صفراء من اللباد·
كان خداداد رجلاً في الستين من عمره، ذا عظام بارزة، وقامة طويلة، وعينين لامعتين· مضى ما يقرب من عشرين سنة دون أن يراه أهالي دماوند، لأنه كان قد اختار العزلة· كان قد بنى لنفسه بيتاً صغيراً من الحجارة والطين قرب عين علا في رأس طريق مازندران· عشرون سنة مضت وهو يعيش وحيداً تاركاً الدنيا، بيديه الخشنتين يعمل في الأرض بمسحاته، يسقي ويزرع ويحصد، وهو العمل ذاته الذي كان يقوم به أبوه وربما أسلافه أيضاً· لقد ورث قطعة أرض باع أكثر من نصفها في سنة قحط، أي أنه استبدل بها طحيناً، والآن هو يمضي حياته معتمداً على المحصول القليل الذي يأتيه مما بقي منها· الأمر الذي أثار تعجب الجميع هو أنَّ خداداد كان- في السنتين أو الثلاث الأخيرة- يُشاهد في الأماكن المعمورة، وغالباً في سوق دماوند، وهو يشتري قماشاً نسوياً وسكراً وشاياً وطحين ذرة، وأحياناً كان يُشاهد على الجبال المحيطة في الماء الدافىء وفي النواحي المشجرة، وهو يصطحب معه طفلة غجرية·
قبل أربع سنوات، في ليلة باردة من الليالي التي تخدش برودتها وجه الإنسان بمخالبها الحديدية، سمع خداداد - ما إن أطفأ مصباحه واضطجع على فراشه - صوتاً غريباً، أنيناً متقطعاً لم يظهر ما إذا كان حيوانياً أم بشرياً· أخذ الصوت يقترب شيئاً فشيئاً حتى طُرق الباب· نهض خداداد الذي لم يكن يخشى غولاً ولا ذئباً وجلس، وأحس بأنَّ ثمة قطرة عرق باردة تتزحلق على ظهره· كلما سأل عن الطارق وعما يريد لم يأته جواب، وإذا أراد النوم طرق الباب من جديد· بيد مرتجفة أضاء المصباح، وتناول السكين الكبيرة التي كان قد علّقها على الجدار لتقطيع الخشب، وفتح الباب فجأة· اشتد تعجبه حين رأى أمامه بنتاً غجرية صغيرة بثياب حمراء وقد جمد الدمع على خديها وهي ترتجف· قذف خداداد بالسكين إلى أحد أطراف الغرفة، وأخذ بيد الطفلة، وأدخلها في الغرفة· دفأها بالنار، ثم صنع لها بأثوابه البالية فراشاً·