رواية "سارة" للكاتب السعودي صالح بن ابراهيم السكاكر، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، قد تكون مثالاً واضحًا عن سعي الى الاتيان بجديد على صعيدي الاسلوب والمحتوى لكن الامر يتحول الى عكس ما هو مستهدف ويتحول الى ما يمكن وصفه بانه عبء على الكاتب والقا
You are here
قراءة كتاب سارة قصة الحب الخالدة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
ولدت في منطقة القصيم في قرية تاريخها عظيم، تقع شمال مدنية بريدة، إنها قرية (ش) بشوارعها الضيقة ومنازلها الصغيرة الطينية، ومزارعها الواسعة بحقول النخيل المترامية الأطراف، وعلى سعف النخيل تتراكم الأتربة دلالة على حياة جافة هناك، ولدت في تلك القرية التي تشتهر بتشددها الديني، هنالك كانت أوجه الناس غريبة تمتلئ شحوباً واستغراباً، ولكن كانت قلوب الناس بيضاء لا تفكر سوى متى يحين وقت قطف ثمر النخيل ··
·· كان أبي يمشي تحت أشعة الشمس الحارقة، متنقلاً بين النخيل، متأملاً كل نخلة غرسها بيده، يمشي وقد اكتسى لونه الأبيض بشحوب فصل الصيف، كانت أصابع يديه متقشرة فيها انفراج غريب عند سبابته، وكانت أصابع قدميه الحافيتين متلاصقة بصورة تبعث التناقض بينها وبين أصابع اليدين، ووجهه العذب الصافي الجميل الرقيق شديد الاحمرار متورم الخدين كثيف الحاجبين، تعجبني هيبته وهو يتنقل بين حقول النخيل·· كان أبي فيلسوفاً عظيماً صاحب أفكار خارقة ونظريات عجيبة، وعلى الرغم من كل ذلك كان أبي بسيطاً لم تحصل له فرصة ليصبح موظفاً بسبب تركه المدرسة مبكراً، لكنه عوض ذلك بالقراءة، فلم أصادف طيلة حياتي إنساناً يعشق القراءة كأبي ··
·· وكانت أمي الممتلئة بثوبها الأحمر الداكن، وعينيها الغائرتين في وجهها، وأنفها المنتصب بكل شموخ، تكنس البيت الصغير المتواضع بيدها اليسرى، وتستعمل اليد الأخرى لتمشيط شعرها المتجعد، وتستخدم لسانها للشكوى والتأفف من حياتنا، فقد كنا نعيش سوياً في منزل مكون من ثلاث حجرات، وكان أثاث بيتنا كله لا يزيد على وسائد في غرفة الجلوس متشققة من قماش مهترىء، وعلى سرير كنت أحيانا أتقاسمه مع أبي وأمي في غرفة النوم التي توجد بها خزانة ملابسنا جميعاً، كنا نعيش في هذا المنزل الذي تملكه إحدى العوائل البرجوازية في قرية (ش)، تلك القرية التي تجد في كل زقاق منها مأساة قد تكون معروفة للناس، والأحرى أنها تختفي عن أنظار الناس من خلال مأساة أخرى·· فالحياة هناك مجموعة مآس كئيبة تحاول أن تعيش لأجل الغد، وللأسف لا يلتفت إليها أحد ·· ·
·· آه يا طفولتي؛ كل شيء لا يزال شامخاً منتصباً في ذاكرتي، حتى إني الآن ابن الأربعين خريفاً لو أغمضت جفنيّ فسوف أرى بكل وضوح تلك الذكريات، ولن يغيب عن بالي عندما كنت صغير جدا أتأمل في أمي وهي تزيد الماء كثيراً على القهوة، لأن الماء من البئر بلا مقابل، أما القهوة فتحتاج للمال! كانت تفعل ذلك وتبربر قائلة : لعنة الله على من جعلني زوجة لهذا الكسول! لعنة الله على الفقر!، كنت خلف باب المطبخ أسمعها بكل وضوح وهي تردد : لعنة الله على الفقر·، ومع ترديد هذه الجملة أيقنت أننا فقراء! فقراء بل أيقنت في يوم ما أننا نفاية من تلك النفايات التي ترمى في الطرقات، نحن نفاية الحياة الاجتماعية؛ حياة البرجوازيين، حياة الماديين!
·· بدأت أنظم الشعر قبل سن العاشرة، وكانت أول قصيدة كتبتها تقول مقدمتها :
يا وطني ··
نحن لسنا فقراء ··!
لأننا نحبك يا وطني،
فنحن أغنى الأغنياء ··
·· هكذا منذ كنت طفلاً وحب الوطن، على الرغم من فقرنا، هو أساس حياتي، فقد كان حب الوطن عندي وما يزال غير كثير من الناس، فحب الوطن يعني حب ثقافته، حب عاداته، حب تاريخه؛ فهذا الوطن العظيم الكبير المترامي الأطراف أعرفه جيداً، إني أعرف وطني، أعرفه أكثر من نفسي، ويعرفني وطني معرفة تامة ·
·· أذكر أني ذهبت مسرعاً لأبي الشامخ وقرأت علية تلك الأبيات، فابتسم ووضع يده الندية على شعري، وقربني منه وضمني فنسيت كل شيء، نسيت الألم والخوف والفقر، فقد اجتمع كل شيء حتى الوطن رأيته منتصباً مجيداً في قلب أبي العظيم·· بعد أيام وبينما كنت جالس أمام النافذة أراقب غروب الشمس وأشعتها التي تتدلى خلف الأفق، ذلك الغروب السحري الذي يصنع ضوء خلايا ينعكس بريقه على النخيل المترامي، ناداني أبي وأعطاني كتاباً قائلاً لي :
- أحب الشعر يا وليد، أحب الشعر يا ولدي فسيحبك عندما تحبه دائماً، والحب يكون بقراءته بتأمل وتركيز وصفاء روح وعقل، وقبل كل شيء بحب ··
·· أخذت الكتاب وإذ به ديوان الشاعر إبراهيم ناجي، إنه أول كتاب أهداني إياه مخلوق، مسكته بيدي بل بقلبي الذي عشق القراءة، وفكرت بالذهاب صوب الحقول حتى أقلب الديوان وأقرأه بروحي وقلبي، لكن أبي طلب مني الجلوس وأن أقرأ له بصوتي الطفولي قصيدة الحياة··