في رواية "من المكلا الى الخبر" للكاتب البحريني د. عبد الله المدني، رحلة رومانسية كاملة من الحنين الى الماضي والمكان القديم وسط تبدل الامكنة والى الحب القديم.. الى الحزن وموت حبيب دون ان نستطيع وداعه.
قراءة كتاب من المكلا الى الخبر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
كانت بداية سالمين في رحلة الكفاح والهجرة هي الوصول إلى مدينة جدة، بوابة الحجاز والأراضي المقدسة، التي حلّ بها من بعد رحلة برية شاقة، وهو لا يحمل من متاع الدنيا سوى صندوق حديدي ملون، وضع فيه أشياءه الخاصة التافهة والخطابات التي أعطيت له من معارفه وجيرانه، ولا يغطي النصف العلوي من جسمه الضئيل سوى قميص قطني أبيض اللون، ولا يستر الجزء الأدنى منه سوى ما كانوا يطلقون عليه اسم الفوطة أو الصارون (قطعة من القماش الملون الشبيهة بالإزار)، إضافة إلى طاقية بيضاء خفيفة لحماية رأسه من أشعة الشمس الحارقة· كانت تلك الأشياء الثلاثة هي مقاييس الأناقة والرجولة عند الرجل الحضرمي·
لم يجد عند كل من تردد عليهم من مواطنيه الحضارم الموسرين في جدة الترحيب المأمول· كان الجميع غارقا في مشاغله وارتباطاته وطموحاته، خصوصا وأن الحضارم عـُرف عنهم الحرص الشديد على جمع المال وعدم تبذيره أو إقراضه أو إنفاقه على الآخر· وحده التاجر عبدالقادر بن سعيد السقاف قرر أن يستضيفه في إحدى الدور الملحقة بمنزله الفخم· وحده هذا الرجل المنحدر من الدولة الحضرمية الكثيرية (خصم الدولة الحضرمية القعيطية) زوده بثوب حجازي نظيف وكوفية وعقال لكي يرتديه بدلا من قميصه وإزاره وطاقيته المتسخة بعرق وأتربة السفر الطويل· علاوة على تلك الأشياء، التي لم يمنحها السقاف لسالمين مجانا وإنما بثمن مؤجل الدفع، تلقى الثاني من الأول نصيحة مفادها: أن التنافس شديد في جدة، وأن الأعمال لا تزدهر إلا أثناء موسم الحج، وبالتالي فإنه من الأفضل لمن كان في وضعه أن يجرب حظه في أماكن أخرى من البلاد السعودية مثل الرياض حيث الحضارم أقل عددا، والتنافس أقل حدة وضراوة
أخذ سالمين بنصيحة السقاف، واستقل مع آخرين حافلة قديمة شقت بطون الصحاري القاحلة، في رحلة مملة استغرقت يوما وليلة بكاملها· في الرياض افتقد الرجل الألفة والراحة النفسية اللذين وجدهما في جدة افتقد منظر البحر الذي كان يذكره بسواحل المكلا· افتقد المـَحـْضـَرة أو المقاهي والمجالس الشعبية المزدحمة على شاكلة ماكانت توفره المكلا والأحياء الحضرمية بجدة· بدت له الحياة في الرياض منذ الوهلة الأولى قاسية ومضجرة، واستشعر مبكراً أن أهلها متجهمون وغلاظ في تعاملهم مع الغريب القادم من الخارج، وإنْ كان عربياً مسلماً· بل واجه أيضا منافسة شرسة، كان مصدرها أبناء منطقة القصيم أو من يـُعرفون بـالقـُصـْمان الذين كانت لهم أساليبهم الخاصة في احتكار الأنشطة التجارية وتنمية الأعمال، وسط روابط عائلية وقبلية ومنافع تبادلية لا يستطيع أي غريب مواجهتها أو النفاذ منها بسهولة·
بسبب هذه الأمور مجتمعة، لم يستطع سالمين التأقلم مع الحياة في الرياض، فقرر ذات ليلة وهو مستلق على سريره في غرفته المشتركة البائسة داخل فندق القدس في حي البطحاء أن يحزم متاعه ويتجه في سيارة أجرة جماعية صوب أرض الخير والرخاء ·· صوب المنطقة الشرقية المطلة على سواحل الخليج، والتي كانت مركزاً لأنشطة شركة أرامكو النفطية، ومكاناً يبشر بحدوث طفرة اقتصادية وتجارية كبيرة، خصوصا مع حاجة الشركة المذكورة، في بداية انطلاقتها وتوسع أعمالها، إلى كل جهد ومشروع خدمي من أجل تعزيز دورها، وتقديم مختلف أنواع الخدمات لموظفيها من مواطنين وأجانب وافدين، ممن تحسنت مداخيلهم ضمن مدن النفط الجديدة·