في رواية "من المكلا الى الخبر" للكاتب البحريني د. عبد الله المدني، رحلة رومانسية كاملة من الحنين الى الماضي والمكان القديم وسط تبدل الامكنة والى الحب القديم.. الى الحزن وموت حبيب دون ان نستطيع وداعه.
قراءة كتاب من المكلا الى الخبر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
كانت عينا سالمين مصوبة نحو دكاكين الدوسري الواقعة في زاوية مطلة على شارعين· لكن هذه الدكاكين كان قد تم استئجارها في وقت سابق من قبل حضرمي آخر يدعى سعيد بادريس ومن سوء طالع سالمين أن هذا الأخير كان يتاجر في المواد الغذائية أيضا، وهو ما جعل صاحبنا يندب حظه ويطيل التفكير في كيفية اسئتثاره بأكبر عدد من الزبائن من سكان الفريج(4)· قاده تفكيره بسرعة إلى حل لهذه المعضلة· قرر أن يضيف إلى خدمة بيع المواد الغذائية خدمات أخرى لا يقدمها جاره ومواطنه سعيد بادريس
وهكذا حرص على أن يخصص جزءا من دكانه لتقديم وجبات الطعام الخفيفة المطبوخة، أو تسخين ما في جوف المعلبات التي يشتريها زبائنه على موقد يدوي، ومناولتهم إياه داخل أكياس بلاستيكية لكي يحملونه إلى منازلهم· في موازاة تلك الخدمتين، تفتق ذهن سالمين عن خدمة أخرى هي توفير القهوة وشاي التلقيمة(5) الساخنين لكل من يطلبهما بأسعار متهاودة، إضافة إلى خدمة الاستماع المجاني إلى جهاز الراديو الذي لم يكن في مقدور الناس كافة وقتئذ شراؤه، وخدمة إتاحة الفرصة لزبائنه لاستخدام عنوان دكانه لمراسلاتهم الخاصة· لقيت هذه الأفكار والخدمات استحسانا وترحيبا كبيرين من قبل الكثيرين من سكان الفريج خصوصا وأن معظمهم كانوا عـُزّابا، ومن العمالة اليمنية والعمانية والعدنية ذات الدخل المحدود· وبقدر ما كان سالمين مسرورا بردود الفعل على الخدمات التي صار يقدمها، كان منافسه وجاره سعيد بادريس مستاء، ينخر صدره الحسد والغيرة، إلى الدرجة التي فكر فيها بالوشاية به لدى السلطات السعودية الأمنية التي كانت تشجع الناس في تلك الحقبة على الإبلاغ عن كل من يهيء مكانا للاجتماع والاستماع إلى إذاعة صوت العرب وتعليقاتها النارية ضد النظام الملكي السعودي· على أن سعيد بادريس لم ينفذ ما دار في رأسه خوفا من احتمالات استجوابه ووضع الفريج كله تحت المراقبة، وهو ما لم يكن يريده لأسباب سنعلمها فيما بعد·
خلال أقل من عامين استطاع سالمين أن يعزز مركزه التجاري، ويكسب ثقة الكثيرين ومحبتهم، ويبني لنفسه سمعة حسنة لا تشوبها شائبة، وذلك على حساب جاره سعيد بادريس الذي كان يمثل لمعظم سكان الفريج كتلة من الأسرار والغموض، خصوصا وأن جسمه الممتلىء، وبشرته الداكنة، ووجهه المحفور بآثار مرض الجدري، وعينيه الجاحظتين المُحـْمـَرّتين على الدوام، وقلة حديثه، وندرة خروجه من دكانه، كانت تثير الشك والخوف عند كل من يتعامل معه· ولعل ما زاد من حيرة ذلك المجتمع الصغير حيال هذا الرجل الغامض هو أنه كان يغيب لفترات طويلة داخل المساحة المخصصة لنومه ضمن نطاق دكانه، تاركا باب الدكان موارباً·