You are here

قراءة كتاب ظل ومرآة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ظل ومرآة

ظل ومرآة

رواية "ظل ومرآة" للكاتبة السعودية نداء أبو علي؛ تدور أحداث الرواية حول شاب سعودي عاش في مجتمعه، ثم سافر لإكمال دراسته خارج البلاد، ليعود إلى مجتمعه بنظرة مختلفة، جعلته لا ينظر سوى للجانب السلبي من مجتمعه...

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
تشيح وجهها بتقزّز، وتساعد أكبر قدر من النساء المرتميات أرضاً على النهوض· تبدأ كل واحدة قامت بمساعدة أخرى· تشيح جميعهن بأوجههن بعيداً عنه· وتصيح كلهن بعبارات ثورية تتقدمهنّ رنيم بمزيجٍ من ثورةٍ واعتراض وتنكّر لوجوده·
 
يقف في قارعة الطريق وحيداً قلقاً· يعضّ على شفتيه ويعترف بعجزه عن ترويضها والحصول عليها·
 
يبتسم وهو يهشّ عن رأسه أخيلته التي تسيطر عليه فيكاد يصدّق بأنه قد امتلك جميع النساء· لا يهمّه الآن إلا أن يمتلك امراةً واحدة هي رنيم· يرغم نفسه على أن يركّز في كل رحلة عشقية في المرأة التي أمامه ليتنشّق أنفاسها ويؤمن بها وكأنها الوحيدة التي سكنت العالم فلا يوجد إلا هي وهو· سيقومان ببناء عرشٍ يجدّد تاريخ آدم وحوّاء تزهو من بعده البشريّة وتصبح الحياة الفانية جنّةً يسودها الوئام والعشق الأبدي·
 
حين كان غازي صغيراً لم يبلغ بعد الحلم، كان محاطاً باهتمام أخواته اللاتي يكبرنه سنّاً فطفق يرقبهنّ يتضاحكن ويتسامرن وهنّ يضعن مساحيق التجميل ويرتدين ثيابهنّ ثم يستمعن إلى الموسيقى ويتمايلن عليها بانسجام· تحوّل بقاؤه معهن إلى إعجابٍ بكل ما يفعلن، حتى بدأ يختلس غياب إحداهنّ من حجرتها ليضع على وجهه مساحيق التجميل بطريقة مضحكة، ويحاول ارتداء حذاء إحداهن ذا الكعب العالي ليمشي وهو يرتديه· كانت أخواته تقهقهن وهن تنظرن إليه وتقبلنه بحنانٍ مريح· ولأنه لمح سعادتهن بما يفعل كرر ذلك مراراً حتى عاد والداه ذات يومٍ إلى المنزل بعد أن خرجا سوياً للعشاء ليجداه يرقص مرتدياً حذاء أخته وواضعاً حمرةً للشفاه·
 
أصيب والداه بالذعر خوفاً من أن يصبح شاذّاً من فرط دخوله العالم الأنثوي دون وجود أي إخوة ذكور يتمكن من الاحتكاك بهم فأدخلاه مدرسةً لمخالطة أقران ذكور· مرّت تلك الحقبة بهدوء إلا أنه ظل مقتنعاً بأن حبه للتشبه بهن جاء من فرط افتتانه بالجنس الناعم· لم يكن يعلم إن كان ذلك بأمر غريزي يأتي حتى للأطفال أم أنها خصلة تعلمها من بيئته· كبر ليمتلك نقطة الضعف الفادحة تلك التي احتفظ بها في سريرته· بات يشعر بيوفوريا غريبة حين يجد نفسـه محاطاً بتلك الكائنات الملائكية الناعمة· تمنى لو يعتكف في معبدٍ حافلٍ بالنساء لا يفعل شيئاً في حياته إلا تقديسهن· يريد اكتشاف تضاريسهن· أن يضع علمه على كل واحدةٍ لم ينسبها رجلٌ إليه بعشقٍ أو اقتران· يريد أن يتتبع استراتيجية البريطانيين تلك في فترة سطوع إمبراطوريتهم، حين ذهبوا إلى بلدان لا تفهم معنى الحدود، وأسماء الدول ليضعوا عليها أعلامهم وينسبوها إلى امبراطورية الشمس· يريد أن يكوّن هو امبراطوريته العظمى التي يحصد فيها قلوب النساء وأجسادهن· لا يبحث عن تضاريس أجسادهن فحسب، بل يريد التعرف على عقولهن· على ماضيهن وكيف كانت طفولتهن· وإن كن عوملن بالرقّة التي يستحققنها أم حرمن من نعمة الدلال· إن كنّ خجولات منطويات على أنفسهن أم مشاغبات مدمّرات لما حولهن· يريد أن يعرف إن وقعن في حب شخصٍ بصمت، أم أنهن قد ثرن على الصمت وعبّرن عما يخالجهن في محاولةٍ مستميتة للحصول على فتى أحلامهن· يهوى معرفة أحلامهن وخططهن المستقبلية، يريد ويريد· وإن لم تمانع إحداهن في خوص تجربة جسديّة فلن يمانع بذلك، فهو رجل مصنوعٌ من دمٍ ولحم ولا يستطيع نكران ذلك·
 
لا يعرف إن كان القحط والقيظ قد أتلفا رأسه كما يحدث مع عدد من الرجال في هذه البقعة المتصحرة من الأرض، فارتفاع درجة الحرارة يسبب غلياناً في العروق· وكل من يسكن أرضاً مرتفعة الحرارة يغلي ويثور· بات الناس هنا محمومون تتحكم فيهم العاطفة قبل أي شيء· تختفي الموضوعية ليجد المرء أمامه من يشتعل غضباً كل يوم، ليولد البعض ممن يستعد للذهاب إلى رحلةٍ انتحارية متبعاً قائداً أخبره بأن تلك الرحلة تؤدي إلى طريق الحور العين، ويولد آخرون ممن فضلوا أن يتعقبوا أقدام النساء في الأرض بهوسٍ غير طبيعي، وبرغبة في معرفة ما يخفى تحت التستر والعباءة· كل ذلك الحرّ والرطوبة الممتزجين بالانغلاق وحجب المرأة جعلاها كتلة متحرّكة من الإثارة· يشعر أحياناً بنفسه كشخصٍ بغيض لا ينتمي إلا لحثالة القوم· يحاول استخدام وسائل ملتوية ليصطاد النساء، لكن كل ما يريده هو التحدث إليهن· ربما يكون قد وقع في الحب لمرة أو لمرتين· وربما لم يشعر بذلك بسبب ذلك التدفق الجنوني المحموم الذي يغمره ويدفعه للبحث عن أخريات ليجدّد رغبته في الاستكشاف· قد يكون اشتعاله ذلك جزءاً من تركيبته الجينية العربية لأن هوسه بالمرأة يعود به إلى طفولته· ويدرك أن كل ما كان يفعله وهو أصغر ناتج عن حبه العميق للنساء· يضحك بسخرية وهو يلحظ أنه عاد إلى تحليل نفسه بتلك الطريقة الفرويدية القلقة· يسكب على جسده نصف قارورة عطر وهو يطمح لأن يصطاد فريسته الجديدة· يبتسم حتى تظهر نواجذه وهو يتخيل نفسه يرمي بشباكه فيحصل عليها·
 
تعلن رنيم وصولها باتصال هاتفي· يخبرها وهو يتجه إلى حديقة المنزل بصوتٍ يحاول أن يظهره لا مبالياً بأنّ الباب الخارجي مفتوح وبإمكانها الدخول· يسمع ضحكتها العصبية فيرتعد بظفر وهو يجس نبض قلقها وشعورها الآثم بارتكاب خطيئة لمجرد زيارته· يصله صوتها وهي تطلب من سائقها الانتظار· تقف للحظات خارج منزله وكأنها لا تزال مترددة ثم يسمع صوت الباب يفتح لتتجاوز سور منزله·

Pages