You are here

قراءة كتاب ظل ومرآة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ظل ومرآة

ظل ومرآة

رواية "ظل ومرآة" للكاتبة السعودية نداء أبو علي؛ تدور أحداث الرواية حول شاب سعودي عاش في مجتمعه، ثم سافر لإكمال دراسته خارج البلاد، ليعود إلى مجتمعه بنظرة مختلفة، جعلته لا ينظر سوى للجانب السلبي من مجتمعه...

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
تمنّت فقط أن يحبس مشاعره حتى تستطيع هي أن تحصل على فتى أحلامها أولاً· ستشعر بغيرةٍ شديدة إن تمكن شخصٌ جديد من الحصول على العشق قبلها، خصوصاً بعد كل محاولاتها المستميتة تلك في الحصول على ما تريد· لا تشعر بأنه قادر على استبدال أحلام يقظته إلى حقيقة· فقد ورث شخصية والدته الهشّة الهادئة· أما هي فقد ورثت ثورة والدها وغليانه الذي إن كان قد ركّز في شخصية كل من ابنه وابنته لأدرك بأن ما أراده لحازم قد اكتسبته دانة، الشاة السوداء الدائمة الصياح في تلك الأسرة· أعلنت منذ صغرها تمرّدها على الصمت المطبق، وتخلّت عن تأتأة الخجل لتسابق نفسها في التعرّف على أكبر عددٍ من الصديقات والأصدقاء· كانت تسمع عبارة لا تفعلي ذلك فيحاول عقلها ترجمة ذلك إلى عبارة: افعلي ذلك، فتنفذّه دون تردّد· تتمنى لو كان يعلم بأن أفعاله تلك دفعتها لأن تعلن تمرّداً غاضباً على سلطته المتجبّرة· بأنّه لم يتمكن من تهشيم شخصيتها القويّة بمحاولاته البائسة بحبسها، والدته هي الوحيدة التي حبست نفسها في الدور العلوي معه كهيكل عظمي هش· تمكن من تحطيم أحلامها حين تزوجها وهي صغيرة، واستطاع أن ينفث فيها كل عقده النفسية بتجريحها لفظياً· تجزم دانة أحياناً بأنه قام بإيذاء والدتها جسدياً حين لم تكن هي وحازم يريان ذلك ليكون تنفيذه للإحباط النفسي متكاملاً· أعلنت دانة في قرارة نفسها بأنها ستفعل كل ما يرفضه لمجرّد معاندته· استبدلت رغبتها في الخروج في بادئ الأمر إلى دعوة صديقاتها كافة إلى منزلها· أصبح منزلها أشبه ببهو استقبال في أحد الفنادق الفارهة الذي لا يخلو في أي يوم من وجود أي زوّار· قامت بدعوة صديقاتها المقربات، على الرغم من انشغالها بعملها اليومي· جعلتهن يشعرن وكأنهن في منزلهن، حتى إن شعرن في الجوع ذهبن إلى المطبخ لإعداد القهوة أو أي وجبةٍ خفيفة·
 
تمكّنت أن تكسر قانون والدها الذي كان يخشى أن تتعرف على شبّان منحرفين وهي جالسة في منزلها· تمكنت من أن تنقل حكاياها الشهرزادية إلى مخدعها تحصد وتزرع علاقات متآكلة شائكة، تارةً من خلال هاتفها الخلوي، وتارةً أخرى من خلال حاسوبها الإلكتروني· وصل بها جنونها إلى درجة أنها في أحد الأيام قرّرت أن تدعو أحد أصدقائها إلى منزلها· كان ذلك في الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وكانت قد أعلنت لسامي تضجرها من روتينها اليومي الفاتر· قهقه وسألها إن كان بإمكانها زيارته فأخبرته بأن عائلتها قد أقامت لها حجراً دائماً حتى تتزوج· صاحت وسألته ساعتئذٍ إن كان بإمكانه زيارتها في منزلها فأفراد أسرتها يغطّون في نومٍ عميق· وبعد أن حرص على أن يقوم بإيقاف سيارته في منزلٍ جانبي آخر فتحت له الباب بحذر وقرّبت إصبعها من شفتيها لتأمره بأن يلتزم الصمت· تسلّل على أطراف أصابعه إلى منزلها، وحاولت أن تكتم قهقهتها وهي تراه مرتبكاً متأثراً بالقصص العديدة التي حكتها عن والدها أيّام جبروته ومنصبه العسكري المتعاظم· أدخلته حجرتها فتمدّد على سريرها وتنهّد بارتياح· جلست إلى جانبه وطفقا يتحدثان وهما يحدقان في بعضهما البعض كطفلين حبورين· بعد مرور نصف ساعة سمعت طرقاً هادئاً على بابها· ولولت بذعر وحملق هو بها وقد اصفرّ وجهه· أخبرته بأن يختبئ داخل خزانة ثيابها، وفتحت الباب بعد أن حاولت أن تتظاهر بالنوم· وجدت أمامها شبح والدتها يحملق بها· وصلها صوتها متكسراً وكأنها تحاول طرد الأغبرة التي احتلّت حنجرتها بسبب صمتها الطويل: لقد رأيتكما تصعدان سوياً··، تجمّدت أطراف دانة وشعرت بلسانها ينعقد ليخرسها· استمرّ صوت والدتها الهادئ يتردد بآلية ودون تهدّج: اطلبي منه مغادرة المنزل فوراً قبل أن يكتشف والدك أو أخوكِ ما اقترفته فيقتلاكما·، غادرت والدتها حجرتها بعد أن رمقتها بنظرة متقزّزة·
 
وبعد أن أخرجت هي سامي من خزانتها وقد طفق يشهق مذعوراً، غادر المنزل وجلست هي في مخدعها تحاول أن تمنع نبضات قلبها من أن تخلعه· كانت تخشى أن تخبر والدتها ذلك الوحش الذي يقطن الطابق العلوي، فهي لا تخبئ عنه أي سرّ· لكن تلك الليلة مرّت بسلام، وذلك الأسبوع مرّ بسلام هو الآخر، وتبعه الشهر والعام· واطمأنت هي لإخفاء والدتها تلك الحقيقة· على الرغم من أنها قامت بتجاهلها وعدم الرد على سلامها لفترة طويلة، وكأنها تلومها على إجبارها التزام الكذب أمام شريك حياتها الذي جعلها أسيرةً له طوال حياتها· لم تكرّر دانة فعلتها تلك مرةً أخرى، فهي لا تستطيع أن تزيل من ذاكرتها تلك النظرة التي رمقتها بها والدتها وكأنها اقترفت خطيئةً لا تغتفر حتى نهاية حياتها· لم يكن منزلها المتنفس الوحيد، فقد تمكنت من اختلاس سويعات من النهار في أثناء دوامها الجامعي للخروج مع صديقاتها أو مقابلة أحد أصدقائها خارج الحرم الجامعي· وتمكنت بعد ذلك أثناء عملها من الاستئذان مبكراً أو الخروج في الصباح الباكر للإفطار مع أي شخصٍ ترغب في مقابلته في ذلك الوقت·
 
يهاتفها خالد المصرفي الوسيم اللعوب ويهمس لها باشتياقه لها ورغبته في رؤيتها، فتجيبه بصوتٍ أمعنت في محاولتها لجعله أنثوياً ناعماً: أعتذر، تعلم أن والدي يمنعني من مبارحة المنزل· أنا لا أخرج من المنزل وحدي إلا إلى العمل· لكم أشعر بالرغبة في ملاقاتك لكنني لا أستطيع·
 
تبتسم بمكر وهي تحاول أن تستمر في تنفيذ خطتها لتظهر أمامه كشابّةٍ خجولة قادمة من أسرة محافظة، كسرت قوانينها بمجرّد حديثها معه· تعرف ماذا سيقول لها بعد ذلك· وتدرك بأنها ستتوصل معه إلى حلّ أوسط، وهو أن تذهب هي إلى السوق مع والدتها أو مع إحدى صديقاتها ثم تخبره أين هي ذاهبة ليتأملها هو من بعيد دون أن يظفر بها·

Pages