You are here

قراءة كتاب ظل ومرآة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ظل ومرآة

ظل ومرآة

رواية "ظل ومرآة" للكاتبة السعودية نداء أبو علي؛ تدور أحداث الرواية حول شاب سعودي عاش في مجتمعه، ثم سافر لإكمال دراسته خارج البلاد، ليعود إلى مجتمعه بنظرة مختلفة، جعلته لا ينظر سوى للجانب السلبي من مجتمعه...

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
دانة
 
تضع دانة أمامها ورقة بيضاء فارغة تحدّق فيها بتمعّنٍ عجيب وكأنها تقرأ فيها قدرها الذي لم يكتب بعد· تقرّب من أرنبة أنفها نظّارةً حرصت على إخفائها عن أي مخلوقٍ غيرها لتقنعهم بكمال بصرها· تعكف بجديةٍ على رسم جدولٍ تقسّم خاناته ما بين الاسم والعمر والوظيفة والمواصفات والمميزات· تكتب بإمعان قائمة أسماءٍ ذكوريّة·
 
خالد· 82 عاماً·· مصرفي·· وسيم الملامح·· يبدو عليه أن لديه خبرة تجاه الجنس الناعم·· لكنّه لا يظهر أي بوادر تفكيرٍ بالارتباط وكأنه وقّع على تعاهدٍ مع الشيطان ليلبّي رغبات جسده وينسى قلبه·
 
أحمد· 23 عاماً وهو عمر مناسب لأن الثلاثيني يبحث عن الاستقرار بعد أن ملّ المراوغة·· مدرّس لغة إنجليزية·· مرهف الأحاسيس يذبل كلما استمع إلى صوتها·· طموحه محدود·· ومستقبله باهت·
 
تحكّ صدغها وكأنّها تحاول أن تتخذ قراراً بشأنه قبل أن تكتب بين قوسين (مرشّح لأن يكون عريس الغفلة، إلاّ أنه اعتيادي مملّ في كل شؤوونه·)
 
حامد·· أربعين عاماً· مطلّق ولديه ابنتان· يعمل إدارياً في إحدى الشركات المغمورة·
 
لا بد أن أي شخصٍ سيصاب بالاندهاش حين يلحظ أنها أدرجت هذا الرجل ضمن قائمة الشبّان المناسبين للارتباط· وضعته لأنها بدأت تقلق من تقدّمها في السن· صحيح أنها ما تزال في الثامنة والعشرين، لكنها أوشكت على مقاربة الثلاثين من العمر وليس بإمكانها أن تزحف إلى الوراء مهما حاولت·
 
لم تكن دانة قبيحة، إلا أن مواصفاتها اختلفت عن تلك التي يحلم بها كل شاب ولد في ذلك المجتمع الذكوري، الذي يدفعه للشعور بأنّه امتلك الحياة بقبضة يده حتى وإن كانت مواصفاته غير متميزة· وكأنهم اتفقوا جميعاً أن يوحّدوا مواصفات الفتاة المنشودة لتكون فتاةً نحيلة ناصعة البياض، ويفضّل أن تكون ناعمة هشّة تشعره برجولته من خلال جسدها النحيل أو شخصيتها المتقهقرة· خالفت دانة كل تلك المواصفات وثارت عليها باحتجاجٍ منذ أن ولدت ببشرتها السمراء، لم تكن تلك السمرة داكنة إلا أنها تعارضت مع المواصفات التقليدية للبشرة ناصعة البياض· هي أيضاً قصيرة بعض الشيء وممتلئة الجسد ذات شعر أسود أجعد يتناثر على كتفيها دون اكتراث· لكنها لم تكن تعتقد أن ملامحها هي ما جعلت شبّان عائلتها ومعارف أسرتها يعزفون عن التقدّم لزواجها· كان ما يخيفهم شخصيتها المتوهّجة، والتي تظهر من خلال صوتها الحادّ وقهقهتها الثائرة على التقاليد، وعينيها المتقدتين اللتين لا تتوانيان عن النظر مباشرة إلى الرجل أمامها دون ارتباك· أعلنت منذ الصغر تمرّدها على العالم الخارجي، خصوصاً بعد أن اقتنعت وهي تتأمل قريناتها في صفوف الدراسة بأنها أقلّ لفتاً للنظر، وأن عليها أن تكافح جاهدةً لتحصل على ما تريد، ظل أسرة حميمية تسبغ عليها حنانها وتقطّع أوردتها لتسقي زوجها وأولادها إن اضطرت لذلك·
 
لم تكشف خطتها التي اتخذتها لمحاولة اصطياد رجلٍ في شباكها إلاّ لصديقة واحدة مقرّبة منها هي رنيم، كانت تعلم بأن الجميع سيعترضون على هوسها المستمر في الحصول على زوجٍ مستقبلي، ومن ضمنهم صديقتها· لم تكن تكترث لآرائهم· أرادت فقط أن تحقّق هدفها قبل أن تدخل عامها الثلاثين الذي تعتبره خطّها الأحمر الذي سيصفّر منذراً لها بأنها على وشك الوصول إلى مرحلةٍ عمريّةٍ جديدة، ستعتبرها مقفرة إن كانت خاليةً من ظل أي رجل·
 
حين أخبرت رنيم بخطتها وبدفترها الذي تخفيه بحرص وتكتب في كل خانة من خاناته وصفاً مفصلاً لأنواع أصدقائها الذين تعرّفت عليهم، وطرق تعرّفها عليهم ومستوياتهم الفكرية والثقافية والاجتماعية، حملقت فيها رنيم باستنكار وأخبرتها بأنها أصيبت بجنونٍ مؤقت· ضحكت وهي تتخيّل مديرها في العمل يكتشف دفترها الصغير ويخبرها بأنها لو بذلت ربع ذلك المجهود الذي قد يضيع هدراً من دون نتيجة، لو بذلته في عملها لاستبدلت كل خطابات الإنذار تلك التي حصلت عليها جرّاء لا مبالاتها بخطابات تقدير تزيّن بها مكتبها· حين أخبرت رنيم خطتها سألتها بفضول كيف بإمكانها أن توفّق بين ذلك العدد غير المتناهي من المعارف، ونصحتها بأن تحاول التعرّف على كل شخصيةٍ على حدة لتتعرّف عليها بطريقةٍ أفضل· ربما كانت تلك الطريقة هي الأفضل لفتاةٍ لا تزال في المرحلة الجامعية تتغنّج وتضع أمامها خيارات عدّة، إلاّ أنها وقد وجدت بأنها تتقدّم في العمر دون استقطاب من يناسبها آمنت بأن عليها اختيار طرقٍ غير تقليديّة· لا تشعر بالرثاء لنفسها ولا تصم نفسها بمن اختبل عقلها· ففي هذا الزمن الذي لا تبحث فيه الأمهات والخاطبات سوى عن فتاة رشيقة بيضاء، ماذا ستفعل السمراوات البدينات القصيرات ذوات الشعر الأجعد؟ لا تريد أن تجلس منتظرةً نصيباً مؤجلاً لن يأتي إلا إن كان لبقايا لرجلٍ رفضته النساء الحسناوات· لم تساعدها والدتها في أي شيء من ذلك فهي امراةٌ هلامية هادئة اعتزلت العالم والتصقت بظل زوجها من دون حضورٍ للمناسبات والاحتفالات· تشعر الآن بأنها أوشكت على النجاح، فلديها في قائمتها ما يزيد على الثلاثة شبّان ممن يرغبون في الاقتران بها· لن تعطي لأي منهم كلمةً نهائية حتى تتمكن من تمحيصهم، ولتبعد عن نفسها أي حرجٍ فيما لا تزال تفعل· تؤمن بأنها إن لم تتم قراءة فاتحتها بعد على أي واحد منهم فإنها لا تزال خالية القلب؛ إذ ليس لديها أي عصفورٍ في حجرها ولن تحسب أي عصفور يتكئ على الشجرة المجاورة قبل أن تلتقطه وتتأكد من أنه سيبقى في يدها·

Pages