You are here

قراءة كتاب صهيل الخندق الأخير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
صهيل الخندق الأخير

صهيل الخندق الأخير

"صهيل الخندق الأخير.. المسلمون بين حالة المحاكاة والتبعية وبين حالة الإبداع والريادة" للكاتب الإماراتي عبدالعزيز خليل المطوع، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 6
والمصدر الثاني: هو علماء المسلمين وفقهاؤهم ومفكروهم ودعاتهم، لو تعاملوا مع الواقع بواقعية ومعايشة واحتكاك، لا بخيالية وعدائية وجفاء، فهم اليوم في حاجة اليوم إلى أن يخرجوا قليلا من أجواء أنفسهم، ومن جو الواقع الإسلامي أو نموذج الإسلام التطبيقي الذي اعتادوا أن يعيشوه وأن يمارسوه وأن- ربما- يؤثروا فيه ويتأثروا به، لكي يتأملوا ذلك الواقع ولكي ينظروا إليه، تأملا أو نظرا فاحصا وتشخيصيا وناقدا وتقويميا، ولكن من خارجه، أي أن يمارسوا كل ذلك من خارج إطاره المعتاد كتركة تاريخية وكموروث ثقافي وكعادات وتقاليد أو كطقوس وعبادات فردية، أو حتى كروتين تعبُّدي معتاد مما تعودوا على اجتراره وتنفُّس هوائه، ثم يحاولوا أن يعيدوا فهمه وأن يعيدوا ترتيب أوراقه بطريقة جديدة، بمعنى أن يحددوا نقاط القوة والضعف فيه بموضوعية(8)، وأن يتحقق نوع من التبادل والتخصص المعرفي، فيتعلم الفقيه الاقتصاد ليوجد الفقيه الاقتصادي كما يتعلم الاقتصادي المسلم الفقه ليوجد الاقتصادي الفقيه لكي تتكامل الجهود وتتقوى وجهات النظر وتتفق الآراء، وأن يمارسوا بعد ذلك مغامرة إعادة تقديم الإسلام من جديد بمنهجية، لأنفسهم أولا قبل تقديمه للبشرية كدين وكمنهج حياة عالمي، وذلك من خلال الغوص في معطيات واقعهم إلى ما هو أعمق من صورة السطح غير المكتملة، ومن خلال الإقدام على تجربة استشراف المستقبل، بدلا من انتظار نتائجه وبناء ردود الأفعال أو الانفعالات وفقا لمحدداتها·
 
إن مشكلة الإسلام اليوم كمنهج حياتي وكخيار حضاري ناشئة من المسلمين أنفسهم، وهذه المشكلة هي التي تلقي بظلالها الثقيلة على طريقة التقديم والعرض، ليس لغير المسلمين فحسب بل وللمسلمين أنفسهم؛ وهذا العجز المزدوج عند المسلمين،
 
أولا: عن الفصل بين المنهج والواقع التطبيقي بأسلوب منهجي؛
 
وثانيا: عن ابتكار طفرة تطويرية في أسلوب التقديم بما يتناسب مع ثقافات الناس ومستويات تعليمهم ومفاهيمهم وظروفهم وأساليب تكوين قناعاتهم وأقصر الطرق المؤدية إلى عقولهم وقلوبهم، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: حدِّثوا الناس بما يَعرفون، أتُريدونَ أنْ يُكذَّب الله ورسوله(9)؛
 
هذا العجز المزدوج هو الذي جعل الإسلام يبدو متخلفا ومتقاصرا عن مجاراة غير المسلمين في طروحاتهم العالمية الكبرى، وعن الخروج من قمقم الفتاوي الدينية الفردية، وعن ابتكار حلول حياتية إسلامية، إلى الحد الذي جعله غير مرغوب- حتى من قبل أبنائه ومعتنقيه- في أن يتجاوز حدوده ليتدخل في هذه الشؤون، وعلى ظهر هذا التقصير راجت المقولات والأغلوطات الرافضة والمناوئة للدولة الدينية ولتديين السياسة بل وللمجتمع الديني، انطلاقا إلى سجن الإسلام بين جدران المساجد·
 
وأيا ما كان العجز ناشئا من قصور فكري أو إبداعي أو إدراكي، أو من الخوف من التقوّل على الله بغير علم، أو من الخوف من ردود الأفعال الغاضبة والمرتجعة من الواقع المعتلّ، فإن المحاولة ستظل أمانة، وسيظل ناتجها رأيا قابلا للأخذ أو للرفض أو للبحث عما هو أفضل منه، لأن الرأي- أيا كان مصدره- لا يبرح مكانه الدائم في قفص الاتهام، لأنه يظل عملا بشريا، ولو اعتمد على المعادلات والأصول الفقهية في تقريراته، وستبقى مقتضيات الزمان والمكان هي الحكم في الأخذ بنتيجة تطبيق المعادلة أو الاستمرار في البحث عن الأصوب والأفضل والأنسب والأجدى، وستبقى الهبة الربانية سارية ومحفِّزة ومستحَقة للمجتهد، المصيب له أجران والمخطئ له أجر واحد؛ وهنا تتبادر مسألة الوسطية، والحقيقة أن الإسلام لا يعاني من إشكالية الوسطية لأنها جزء من بنائه التشريعي وتكوينه المنهجي، ولكن الوسطية ستظل إشكالية المكلَّفين الذين لا يميزون بين الوسطية الشرعية كقناعة إيمانية وعقلية وكممارسة سلوكية منضبطة بين التشدد والتهاون أو بين الإفراط والتفريط أو بين الغلو والتساهل، وبين الوسطية الحديثة أو المتعصرنة، كإسلام مبتكر أو كدين جديد وكعقلية تأسيسية متفلّتة، تعني خلط المأمور به شرعا بالمُستمزَج وبالمُستهوَى وبالمُشتهَى، وخلط المباح بالمحرم، وخلط غير الإسلام بالإسلام، وتعني أيضا خلط النص المقدس بهذيان الهوى والخيال وهلوسات الظنون والتخمينات؛ والمحصلة أن المسلم العامي الذي يتمسك الآن بالإسلام بخيوط العاطفة الإيمانية والتقليد الفقهي، لن يجيد التمييز بين وسطية الحق والاستمساك وبين وسطية التلفيق والتنصل، سيقع حتما ضحية الخروج والتحرر، ولكن من دائرة الإسلام، وبهذا لا يخسر الإسلام فردا من أتباعه، بل يخسر طاقة قابلة للتحول من حالة الكمون إلى حالة التفجر·
 
عبدالعزيز خليل المطوع
 
ذو الحجة 1431، تشرين الثاني (نوفمبر) 2010
 
(*) نشر الجزء الأول من هذه المقدمة كمقال بعنوان: الدمى الخشبية والقضبان الصدئة في صحيفة البيان الإماراتية، العدد 10293، 22 شعبان 1429 الموافق 23 آب (أغسطس) 2008·

Pages