المجموعة القصصية "غليون العقيد"، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2002، للكاتب البحريني محمد عبد الملك، نقرأ من أجوائها:
You are here
قراءة كتاب غليون العقيد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
غليون العقيد
الصفحة رقم: 3
بشرى ابراهيم:
دخل زوجي صلاح الحمام· كنت أسمع صوت الماء والموسيقى الهادئة· دفعني اللاشعور إلى الستارة· عجبت كيف غفلت عنها كل هذا الوقت· فتحت الستارة ورأيت مقبرة· شواهد قبور صامتة وناتئة، قبباً كثيرة داكنة· وكلاباً تجوس بين الضوء الذي يكشف عن جوانب من شواهد القبور· وقفت صامتة· لم أتوقع ذلك·· مقبرة بجوار فندق؟! ما السرّ؟ شعرت بانقباض، يجب أن نرحل غداً من هذا المكان·· الآن؟ لا·· دفعنا للفندق أجرة اليوم·· غداً في الصباح، صلاح مريض ولا يستطيع الانتقال كما يبدو، وسينزعج من هذا الانتقال السريع·· غداً في الصباح أخبره بالأمر· سأغلق الستارة·· يجب أن تبقى هذه الستارة مغلقة الليلة، الليلة على الأقل، حتى لا نفسد هذه الليلة، حتى يبقى صلاح في حالة متوازنة·· لو أخبرته بالأمر فقد يكتئب·· بالحتم سينزعج كثيراً·· هو الحساس المرهف يكتشف مقبرة في مكانه، في غرفته؟ كنت أشعر أن المقبرة تزحف إلينا، هنا في جانب الفندق، تدخل الدهليز، وتتخلل الجدران·· وتستقر على السرير·· المقبرة تتحول إلى أثير·· تزحف وتدخل في كيان الفندق، كأنها جزء منه، وكأنها بنيت مع الفندق، وستزال معه·· أحسست بحميمية إلى المقبرة، كنت أذهب إليها الآن بنفسي، أقترب من الشواهد والقبور وأنام على الاسمنت السميك تحت الضوء والظلمة المختلطة، أشعر بالندى المحمول على نبات ظاهر بين القبور· الشواهد تتحرك، تقفز، وجدران المقبرة تنتكس وتميل·· أسمع صفير زوجي داخل الحمام وإيقاع الموسيقى الذي يتحول· الستارة مفتوحة ليس كلها·· سأخفي الأمر على صلاح·· ليعلم غداً في الصباح·· نكون قد استرحنا، وبعد نوم عميق نرحل·· لكن هل تبقى الستارة مغلقة إلى الغد؟ وماذا لو أراد أن يفتح الستارة؟ كيف أمنعه؟·· لم أخش الموت كثيراً في حياتي· هو أمر عادي، أتوقعه كما أتوقع خروج زوجي من الحمام، كان أهلي يعجبون من ذلك· وفسروا هذا بغلاظة القلب· أنا مؤمنة باللّه·· وهذا سرّ الفتي مع الموت·· لكن زوجي·· آه! أعرف أنه مكتئب·· ويتعاطئ دواء الاكتئاب·· ويخفي علي ذلك· اللّه يرحمنا·· لن أدعه يفتح الستارة·
لِمَ يضيئون هذه المقبرة؟ ولِِمَ هذه الأضواء الضاجة على امتداد هذه المقبرة؟ في وسط المدينة؟ وهذه نافورة ماء منطلق، وسيارات جميلة تصعد الطريق الجنوبي، ومقاه كثيرة تقابل المقبرة والفندق، وخمارات، ومراقص·· فتحت النوافذ ذات الزجاج السميك، وانحدرت إلي موسيقى من أسفل قاعات الفندق، أنا في الدور الخامس، وجاءتني الموسيقى من الدور الثاني· في هذا الدور المطعم الفخم ذو الثريات الكبيرة والموحية والرخام· الفرقة ستغني هنا في الطابق الثاني· والمرقص في الطابق الأول· سأشتري ورداً من سوق الفندق العام·· ليت صلاح يوافق على الذهاب إلى الحفل؟ هل ينعشه الدوش الساخن؟ أراه يصفر؟ من يدري؟ سنذهب إلى الحفلة الصاخبة· الموسيقى التي أحبها· أريد أن أخرج من هذه الغرفة·· أن أطير·· أطير·· لن أدع صلاح ونفسي في حجرة مقفلة· أنا وهو وفي شهر العسل؟·· لن أدع حبيبي ينام عابساً حزيناً·· سنخرج·· سنخرج·· أعرف كيف أقنعه·· والتذاكر في يدي·· وإذا لم يوافق سأزعل، وإذا زعلت فهو لا يقدر على زعلي·· سيوافق· كان صلاح خارجاً من الحمام· منتعشاً، وجاءتني سخونة بخار الحمام· كانت الستارة مقفلة· ولا أدري لم نظر إلى الستارة أول ما خرج من الحمام· قلت:
ــ صلاح·· أنا أريد أن أسهر·· يبدو لي أن الحفلة في الطابق الثاني جميلة·· إعلاناتها باهرة··
ــ تظنين ذلك؟
ــ نعم·· لم يخب ظني قط·· وهذه مدينة الطرب والحياة·· والفندق خمس نجوم!
ــ ما يعجبني فيك يا بشرى هذا التفاؤل المفرط·· لا أدري بسببك أو بسبب الدوش الساخن، أشعر بتغير والظاهر أننا سنغير رأينا··
صلاح هاشم:
كيف فاتتني هذه الفكرة، كان عليّ أن أدعوها أنا للخروج· لأهرب بها من هذه الغرفة·· لن تفكر في فتح الستارة إذا كانت خارج الغرفة· نذهب إلى السهرة· ولا أعتقد أن مطعم الفندق ــ حيث تقام السهرة ــ مفتوح على المقبرة·· هذا مستحيل· المطعم سيكون بالحتم في واجهة المدينة·· الواجهة الضاجة بالنوافير والأشجار·· لأوافق على اقتراحها من دون تردد··
بشرى ابراهيم:
كم كنت سعيدة عندما سمعت زوجي صلاح يقول لي بسرور وترحيب:
ــ لنسهر في المطعم السفلي في الدور الثاني·· نفسي مفتوحة للحياة·· ارفعي صوت الموسيقى··
ــ التذاكر جاهزة يا صلاح·· حجزنا منذ أول دخولنا··
ــ هذا شأن النساء دائماً، تواقات للحياة·· وهذا أجمل مزاياهن العريقة··
ــ كنت مصممة على الرغم من تعب السفر أن نسهر هذه الليلة·· ألم يذهب التعب مع النهار؟
ــ أين البيرة! البيرة المثلجة!
حمل زوجي البيرة وصبّها في كأس طويلة وارتفع الزبد إلى أعلى الكأس· بعد دقائق ارتفعت قهقهاته عالياً في الغرفة· كان يرتدي بدلته الزرقاء، ويكمل زينته، ويجرع البيرة بين آن وآخر، ويمازحني كعادته·· كنت أجلس بجانب الستارة·· ويبدو أنني نسيت· غمرني صلاح ببهجة مفاجئة سريعة·· نسيت، يبدو نسيت·· قال لي: