You are here

قراءة كتاب غليون العقيد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
غليون العقيد

غليون العقيد

المجموعة القصصية "غليون العقيد"، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2002، للكاتب البحريني محمد عبد الملك، نقرأ من أجوائها:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 8
قلت أذكّرها:
 
ــ إنها هدية جدتك!
 
وكانت جدتها كلما جاءت في زيارة إلى المنزل تتوجه أولاً إلى مكان النبتة، تمسح فخارها وأوراقها بيديها· وتقول:
 
ــ ما أحلاها من نبتة! اشتريتها من رجل قروي عجوز فقير على الطريق الزراعي لقرية سار··!
 
كانت عينا جدتي تلمعان بالفرح وهي ترى النبتة·
 
قالت زوجتي:
 
ــ من أجل خاطر جدتي سأبقيها!
 
وهكذا قررت أن تبقى النبتة أياماً أخرى في المنزل·· الغريب في الأمر أن زوجتي رغم مشاغلها خرجت ذات يوم حاملة وعاء النبتة ووضعتها في مقعد السيارة الخلفي وقالت لي في عجلة:
 
ــ سأذهب إلى الخبير الزراعي!
 
عند الظهر عادت مندهشة وغاضبة لأن الخبير الزراعي أخذ منها عشرة دنانير، وأعطاها ورقة كتب فيها اسم سماد خاص غالي الثمن، وبعض الأدوية والمقويات والفيتامينات·· نظرت زوجتي إلى الورقة حانقة· نفخت عدة مرات·· وزفرت زفرات حارة·· قالت:
 
ــ هل من المعقول أن أشتري كل هذه الحاجات من أجل نبتة تافهة!؟
 
كنت أضحك من الأعماق لأن زوجتي انشغلت مع النبتة بطريقة مثيرة وكنت أحب مشاكستها على عادتي· وكان ليس لها حديث إلا عن النبتة· كانت تتحدث معي عنها·· وتتحدث مع الخادمة·· ومع زميلاتها في المكتب·· بل سمعتها تتحدث عن النبتة مع صديقاتها لفترة طويلة في التليفون·· واصطدتهاذات يوم وهي تقرأ في كتاب عن النباتات·· لقد اشترت هذا الكتاب بثمن بخس! قلت: إلى أين ستنتهي حكاية هذه النبتة! إن زوجتي ستلقيها في النهاية خارج المنزل، ولن أندهش ذات يوم عندما أعود من العمل فلا أجدها في مكانها·· وبدأت زوجتي تتوتر أكثر··· صارت لا تطيق رؤيتها في الصالة قالت مشمئزة:
 
ــ هذه النبتة تشوه صالتنا الجميلة!
 
قلت لها:
 
ــ لا تنسي جدتك!
 
غضبت مرة أخرى·· خفت على زوجتي من هذا القلق الجديد الذي شغلها·· انشغلت أنا بدوري بزوجتي وبالنبتة·· وكانت الأحوال تسوء أكثر·· بقي من النبتة ربعها وثلاثة أرباعها كان أصفر ذابلاً جافاً· يوم الجمعة جاءت الجدة في زيارتها الأسبوعية المعتادة·· توجهت إلى النبتة في الحال، وراحت تحيطها بيدها العجوز في رقة·· قالت كلمات مداعبة حنونة وأضافت:
 
ــ إنها تموت يا ابنتي! لا شك أنها لم تجد العناية اللازمة! يا للمسكينة!
 
راحت الجدة تمسح وجه النبتة كما تفعل مع أبنائي الصغار· وتمادت تلاعبها، وتطري جمالها· وتحدثها كما تحدث البشر· كانت زوجتي تنظر إليها بلا مبالاة ظاهرة معتقدة أنها ثرثرة الشيخوخة المعهودة! فالناس في هذه السن يتحدثون مع أنفسهم طول الوقت! ألا تتحدث جدتها مع نفسها دائماً؟ نظرت زوجتي إلى جدتها بشيء من الضجر والعصبية وزفرت، أما الجدة فلم تنته من كلامها مع النبتة·· ولم ترفع يدها عن وجهها فتركتها زوجتي وهرولت غاضبة إلى المطبخ· في هذه الزيارة لم تتحدث جدتي إلا عن النبتة·· وأنها كانت بحال أفضل في المرات السابقة·· وسألتنا إن كنا نهتم بها حقاً! قالت زوجتي:
 
ــ لقد أعطيتها كل العناية التي تتصورين·· أعطيتها من وقتي الثمين·· وأنفقت عليها من مالي كما أنفق على أولادي·· أشتريت لها الغذاء والأسمدة والأدوية·· وسقيتها الماء الثمين العذب·· لكنها لم تتغير·· كانت الجدة تنظر إلى حفيدتها بريبة·· في اليوم الثاني، ومن أجل الجدة المسكينة ذهبت زوجتي بورقة الخبير الزراعي واشترت أسمدة جديدة، وأغذية، وأدوية، وفيتامينات من إحدى المراكز الزراعية·· كلفها ذلك عشرون ديناراً·· قالت لي بغضب وهي تحمل كيس الأدوية:

Pages