المجموعة القصصية "كل شيء على ما يرام" للكاتبة العراقية هدية حسين؛ نقرأ من أجوائها:
You are here
قراءة كتاب كل شيء على ما يرام
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
كل شيء على ما يرام
الصفحة رقم: 4
قالت:
- انه كراج الثورة
لم أتذكّر كراجاً بهذا الاسم فعدت أسألها:
- هل تقصدين مدينة الثورة؟
رمقتني بدهشة ثم قالت :
- أنت تتحدثين عن مكان لم يعد له وجود·
- كيف ؟
تلفّتت كما لو أنها خائفة من شيء ما قبل أن تقول :
- ما دمت لست من هذا البلد فسأبوح لك بسر ·· أنا من مدينة الثورة·· أو بالأصح من الذين نجوا من المذبحة·
سألتها والذعر يتملكني :
- أية مذبحة ؟
زمّت شفتيها وراحت تصب الشاي لرجل عابر ··· ظلت صامتة حتى انتهى ومضى ··· قرّبت رأسها من أذنــي وقالت :
- ألم يسمع العالم بنا؟ إنها إذن لخسارة كبرى ··· خسرنا الحياة ومتنا قبل أن نموت·
تلفتت ثانية وهمست:
- كنت خارج المدينة عندما أحاط بها رجال الحاكم ···ألقوا عليها السموم من الطائرات وانتهى كل شيء خلال ساعات قليلة··· انت قريبة الآن من المدينة التي كانت·· إنها اليوم مجرد مقبرة لا تحدها عين·
وأشارت بيدها·
- انها خلف ذاك الفندق ·· قبور لا تحمل اسماء أصحابها·
سكتت ثانية·· بدا وجهها المتغضّن أكثر شحوباً وغارت عيناها ·· ثم نظرت إليّ وقالت :
- محظوظ من يجد له قبراً يحمل اسمه·
سألتها :
- لماذا فعلوا بكم ذلك ؟
قالت - وهذه المرة لم تلتفت - الفقراء دائماً حطب الحكام، مع أنهم يأتون الى الحكم محمولين على اكتافهم·
القبور هناك مزدانة ··· تظللها الأشجار وتحيط بها النباتات المزهرة على مدار الفصول، حتى لتبدو المقابر مثل حدائق غنّاء··· أليس من الحكمة أن أجد لي مكاناً قرب شجرة، الى جوار زوجي؟ بين أصحابي الذين عشت بينهم ثلاثين عاماً؟
كنت قد دفنت زوجي بين شجرتين تشابكت أغصانهما من الأعلى كأنهما تعقدان اتفاقاً على حمايته·· سيّجت قبره باطار من الأزهار ونقشت على شاهدته (سنلتقي في الجنة) وعلى عكس ما كان لي من الأماني في تلك البلاد الغريبة، يبدو أنني مضيتُ إلى الجحيم·