You are here

قراءة كتاب كل شيء على ما يرام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
كل شيء على ما يرام

كل شيء على ما يرام

المجموعة القصصية "كل شيء على ما يرام" للكاتبة العراقية هدية حسين؛ نقرأ من أجوائها:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
هكذا تركتها
 
كيف تأتّى لي أن أكون في الأربعين، وهي التي تكبرني بعامين ما زالت تخطو ببطء صوب العاشرة؟··· ها هي ··· تتراءى لي· كما لو أن الزمن يلعب معي لعبة الاختباء والظهور· تقود سلسلة الكلب الروسي الذي اشتراه أبي· مرغماً· من صبي يقف على رصيف سوق الغزل· وحين ساومه ابي على السعر قال الصبي باصرار:
 
· لا ·· إنه غالي الثمن لأنه كلب أجنبي·
 
وبعد مساومات وذرف دموع من أختي، رق قلب أبي فدفع كل ما في جيبه·· ثم اتضح بعد يومين أن الكلب مسروق·· وكان صباحاً ممطراً عندما وقف شرطي أمام باب بيتنا واقتاد أبي الى مركز الشرطة صحبة الكلب وعويل اختي·· وعندما أفرج عن أبي كان يردد طيلة الطريق ما قاله صاحب الكلب الذي يسكن قصراً منيفاً على ضفاف دجلة:
 
هؤلاء الفقراء لا يكفون عن سرقة أسيادهم·
 
كانت اكواخنا وبيوتنا الطينية تتجاور وتتقابل على منحدر أرض تنخفض رويداً لتنتهي بورش الحرفيين الصغار·· معمل سجائر، مخبز، مصبغة، بيوت تغزل الصوف وأخرى تصنع البسط أو السلال والحصران ودكاكين لعمل الحلويات الرخيصة··
 
وعندما نصعد قليلاً من تلك الأرض ونطل برؤوسنا تلوح أمامنا قصور الأغننياء ممتدة على ضفاف النهر·· كان منظر اسراب الأوز يدهشنا وهي تتهادى على صفحة الماء لمسافات بعيدة، تعود بعدها الى قصورهم نافضة ما علق بريشها البراق، زاعقة حين نقترب منها كأنها تطلق اشارة التحذير لمنعنا من التجاوز على خطوط لا تراها أعيننا، لكننا نحسها برغم صغر أعمارنا، فنهرب قبل أن يسرع الحارس ويزجرنا بعصاه الغليظة·
 
ها هي تقف عند مدخل باب الغرفة،· بسنواتها التي تقترب من العاشرة، بثوبها الوردي المزهر الذي غادرت به الحياة بعد أن أنعجن بالدم وقطع اللحم تحت عجلة سيارة طائشة، سوى أن ثوبها الآن نظيف كما لبسته أول مرة·· تنظر اليّ· بعد حفنة من سنين انسلت من بين الهواجس· ابادلها النظرة·· كلانا مندهش·· تكسر الصمت بسؤال غريب:
 
هل أنت أمي؟
 
فيما الشك واليقين يتنازعان·· أقول، وأنا أعذر نسيانها:
 
انني أختك·
 
تتلاحق اغماضات عينيها وتدنو مني·
 
أختي؟·· كيف ؟
 
أنا لا أعرف · حقاً كيف أجيبها·· كيف أوصل لها معنى الكلام بأن الموتى لا يكبرون·· أو على الأرجح يفضلون الوقوف على حافة الزمن·
 
ترد بسخرية :
 
أنت امرأة عجوز·· لكنك تشبهين أمي·· حتى أنك أكبر منها بقليل·

Pages