You are here

قراءة كتاب الاغتراب - دراسة تحليلية لشخصيات الطاهر بن جلون الروائية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الاغتراب - دراسة تحليلية لشخصيات الطاهر بن جلون الروائية

الاغتراب - دراسة تحليلية لشخصيات الطاهر بن جلون الروائية

يهدف هذا البحث إلى دراسة ظاهرة اغتراب شخصيات الطاهر بن جلون الروائية، إذ يطرح تساؤلات تشمل كل انواع اغتراب شخصياته في رواياته الاثنتي عشرة كالاغتراب الذاتي، الاجتماعي، الاقتصادي، الديني، المكاني، الوجودي، الزماني، اللغوي، ليشمل رد فعل الشخصية المغتربة كالان

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
الشخصية المستغرقة في ذاتها
 
لا تعي الشخصيات المستغرقة في ذاتها اغترابها، وتقف عند حد المعاناة والألم، تتصف هذه الشخصية النموذج بحسّ الاسترخاء في همها الشخصي أو
 
أوهامها الذاتية؛ ولذلك تغفل عما يحيط بها، وتفتقد المسافة اللازمة لتأمل آلامها من أجل الخروج بحل لها أو الوقوف على
 
أسباب اغترابها (خليل، 7 9 9 1، 65) أو تتأمّل أن تتعرّف إلى نفسها كـ(أحمد - زهرة)، تلك الشخصية التي تمتد عبر روايتي
 
(طفل الرمال) و (ليلة القدر) ويبدأ استغراقها في ذاتها لحظة ولادتها، إذ يقرر الأب أن يلغي شخصية الأنثى (زهرة) ليبدل بها شخصيّة الذكر (أحمد)
 
لتستمرّ حالة الاستغراق في الذات مدّة عشرين عاما، وتتنوع مظاهر التعبير عن هذا الاستغراق بين إدانة الظروف والحظ والقدر أو اللهاث وراء الرفاهية
 
المادية والاستسلام للدعة والقناعة والرضى بالأمر بالواقع، فحركة هذه الذات نحو الخلاص والتجاوز معدومة، وإذ تستشعر (زهرة) أن المعاناة قدرها
 
الخاص الذي لا دواء له، تلجأ للتبرير ولأحاسيس العجز لتداوي استغراقها في ذاتها، كشخصية أبي فاطمة في رواية (طفل الرمال)، الذي أحس
 
بنفسه ضحية لظلم المصير أو لمؤامرة حاكها القدر. أما في رواية ( نُزل المساكين) فتصل شخصية الروائي - غير المسمى - بعداً آخر، إذ
 
يصل إلى فلسفة يعتقد فيها أننا نتعرض في حياتنا للحظات غياب، حالة من فقدان الوعي تسيطر علينا وتجعلنا
 
نقوم بأمور نأسف عليها فيما بعد. وهذا ما نسميه القدر، والمرء ليس سيد قدره.
 
ويأتينا صوت (مُحَا) الشخصية المحوريّة لرواية (محا المعتوه) من عمق بنية المجتمع كاشفا نماذج لشخصيات مسلوبة الإرادة و الحرية و الوعى، وما هو
 
أسوأ من ذلك أنها لا تعيش حالة اغتراب فقط، بل تقبل بها وتسعى للوقوع فيها، وتدافع عن العلاقات الاجتماعية التى تخلقها، و تمدحها وتقبلها وتحبها
 
وتخاف التحرر منها، وتعدها الوضع الطبيعى والمرغوب فيه، ومن ثم لا تستاء منها و لا تحس بشاعاتها، إذ يقول : إنهم لا يسمعون شيئا. لقد فقدوا القدرة
 
على السماع (محا، 0 6 1 )
 
فالاستلاب هو تعبير عن حالة الإنسان العقلية عندما يدخل في أي علاقة اجتماعية، تجبره على أن يسلك وفق ما يريده
 
الآخر في هذه العلاقة، وليس وفق ما يريده هو، متوهما أحيانا أن ما قد سلكه نابع من إرادته الحرة، ومن هنا يصبح سلوكه
 
ووعيه الظاهري غريبين و منفصلين عن إرادته ووعيه الباطني، فالاغتراب يكتنف الوجود الإنساني في المجتمعات السلطوية، وهو الوصف
 
الشامل للظاهرة الإنسانية المراد التحرر من آلامها تحديدا، هذا لو كان الهدف بحق هو التحرر من هذه الآلام والشقاء. فالاغتراب هو حالة الإنسان العقلية
 
عندما يخضع لسلطة متعالية عليه ومنفصلة عن إرادته الحرة، فكثير من النساء مثلا يدافعن علانية و بحماسة أكثر من بعض الرجال، عن دونيّتهن في
 
المجتمعات الذكورية، ويلاحظ عموما أنهن أشدّ تمسكا بالقيم المحافظة التي تضطهدهن، فوضعهن تحت وصاية الرجال يعفيهن من تحمل مسؤولية أنفسهن،
 
ويعطيهن بعض الامتيازات في مقابل حريتهن المنزوعة وكرامتهن المهدرة وإرادتهن المسلوبة، في حين أن حريتهن ومساواتهن مع
 
الرجال تضعهن في موضع المسؤولية التي يتهربن منها، راضيات بوضعهن كقاصرات تحت وصاية الرجال. ومما لا شك
 
فيه أن وضعهن الاجتماعي المتدني الذي يسلبهن حريتهن وإرادتهن و كرامتهن لصالح الرجال، يعطي معظمهن في نفس الوقت كثيراً من
 
السمات السلوكية والعقلية السلبية التي تميز معظمهن كالذاتية والعاطفية المتطرفة، والتي تعدّ سند الذكور الدائم في استمرار سلطتهم ووصايتهم عليهن،
 
وتلك السمات السلوكية والعقلية السلبية في حقيقتها هي نوع من الاحتجاج المستتر والرفض غير الصريح لهذه الأوضاع التي لا يجرؤن رفضها علانية في
 
نفس الوقت، فضلا عن كونها نتيجة منطقية للتربية المختلفة التي تحظى بها الإناث عن الذكور، و التي تغرس فيهن منذ طفولتهن، كما تشكل نفسيتهن على
 
القبول بالقهر الذكوري لهن عبر التربية والتعليم والعادات والتقاليد، فلم يكن في رواية (محا المعتوه) لا لعائشة الخادمة
 
الصغيرة، ولا لدادة الأمة السوداء الحق في التعبير عما يخالجهما في منزل الأب الشيخ. فكان البكم والعزلة نصيبهما،
 
فلم يكن لعائشة صوت؛ تبعا لقرار الأب الشيخ. ويكثّف الطاهر حالة استغراق عائشة في ذاتها في مشهد الحيض الأول لها، إذ كانت خائفة لا
 
تتكلم، تمكث الساعات الطوال جامدة كالصنم أمام سيدة المنزل التي كانت تسهو عن تكليفها بأي عمل وتسهو كذلك عن إطعامها. فلم يكن لعائشة وجود
 
فعلي في المنزل. حتى أن الخادمات الأخريات كن يتجاهلنها.

Pages