مئات بل آلاف الكتب ألفت حول حرب حزيران بين العرب و «إسرائيل» منذ وقوعها قبل أكثر من أربعين عاما، لكن النادر منها ما بني على أقوال وأحاديث زعيم من زعماء العرب إبانها، فما استشهد به الكتاب والمؤلفون من أقوال الزعماء العرب بشأن حرب حزيران كان نتفا وأجزاء وتصري
You are here
قراءة كتاب حربنا مع إسرائيل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
غير أن عامل الوقت يجب أن يدخل في الحساب: فإسرائيل تشكل رقبة جسر يهدد في كل لحظة بالانفجار ما دامت المشكلة الناجمة عن وجودها، أي إسرائيل، مستعصية الحل. من هنا ضرورة الإسراع بتحقيق الوحدة العسكرية العربية.
ففي الأصل كانت إسرائيل وجوداً دينياً يجتذب إلى الوطن العربي يهوداً من مختلف أنحاء العالم، ولكن الهدف من قيام إسرائيل بدا أشد خطورة وخطراً مع الأيام بدليل التغييرات الجغرافية التي طرأت لمصلحتها بفعل السياسة التوسعية.. فأين إسرائيل التي أنشأتها الأمم المتحدة عام 1947 من إسرائيل 1948، وأين هذه من إسرائيل 1956 ثم إسرائيل 1967؟ أليس في هذا دليل على مدى التهديد الإسرائيلي للعالم العربي كله؟
بالرغم من هذا الواقع، اصطدمت المحاولات الرامية إلى تحديد مهمة القيادة الموحدة في مؤتمر القمة الثاني الذي انعقد في الإسكندرية بين 5 و12 أيلول 1964 - اصطدمت تلك المحاولات بعقبات شتى من كل نوع. وبعد عام وخلال انعقاد مؤتمر القمة الثالث في الدار البيضاء (19 أيلول 1965) عرضنا نتائج العمل المشترك الذي بدأناه منذ لقائنا الأول في القاهرة في الحقلين السياسي والعسكري.
في الحقل العسكري بدأت القيادة العربية الموحدة تسجل بعض التقدم، لكن تبين أنها تحتاج إلى موارد مالية إضافية لتتمكن خلال المدة المحددة لها (ثلاث سنوات) من تحقيق الغاية من إنشائها: إعادة التوازن بين القوات العربية والقوات الإسرائيلية. وهذا التوازن لا يكون مجدياً ما لم ترجح كفة العرب ولو قليلاً بحيث تعد إسرائيل إلى العشرة قبل القيام بأية مغامرة. ولبلوغ هذا الهدف علينا أن نسهل مهمة القيادة الموحدة خلال الفترة الإعدادية وأن نوفر لها الموارد المالية التي تمكنها من مواجهة بعض القضايا الملحة، كإنشاء سلاح جوي قوي في الأردن مثلا. ذلك أننا نحن الأردنيين لا قِبَل لنا على القيام بهذه الخطوة الضرورية للقضية العربية، والتي بدونها لا يمكن إنشاء جيش عصري ذي فعالية. هذا مع العلم أن إنشاء سلاح جوي لا يتطلب شراء الطائرات وحسب، بل إنشاء قواعد جوية وأجهزة رادار، فضلاً عن الوقت الذي تستغرقه تنشئة الطيارين وتدريبهم، وتنشئة العاملين في المطارات وورش التصليح... الخ.
اصطدم مطلب القيادة الموحدة بشأن الاعتمادات الإضافية برفض غالبية الزعماء العرب الذين أعلنوا عجزهم عن تأمين الاعتمادات، وتقررت مطالبة الفريق أول علي علي عامر بتدبر ما يحتاج إليه باقتطاع المبالغ اللازمة من أبواب موازنته. ولكن المؤتمر توصل إلى اتخاذ قرار يقضي بالعمل على حل المشاكل العربية القائمة، باعتبار أن هذه المشاكل وما تستنزفه من أموال تعرقل مهمة القيادة العربية الموحدة.
من هذه المشاكل أورد على سبيل المثال لا الحصر:
الحرب في اليمن التي تتواجه فيها الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
الحملات العراقية في شمالي البلاد ضد الأكراد المتمردين.
ولا حاجة بي إلى الوقوف عند سلسلة المشاكل والأزمات الداخلية في بعض الدول العربية، وهي أزمات ومشاكل مردها إلى انعدام النضج السياسي أو إلى التهافت على الحكم.
فلو وجدت حلول لهذه المشاكل، وبتعبير آخر لو أن الدول المعنية شاءت بالفعل حل مشاكلها ليتنسى لنا نحن العرب بلوغ الهدف المشترك، لكان العالم العربي قد خطا خطوات واسعة إلى الأمام ولكان قد وضع موضع التنفيذ برنامج العمل المشترك. وحتى لو لم يتسن لنا في نهاية السنوات الثلاث إنجاز مشاريعنا، حتى في هذه الحالة نكون قد اكتسبنا خبرة ثمينة وحققنا اللحمة فيما بيننا وبلغنا مستوى محترماً.
كل هذا كان أمراً ملحاً بالنسبة إلينا. فإسرائيل تعمل جاهدة في سبيل إنماء إمكاناتها الحربية وتطويرها. وتصنع، بفضل وسائلها العلمية، أسلحة حديثة، خصوصاً في حقل التسلح الذري، وتنشئ جيشاً قادراً على استعمال هذه الأسلحة استعمالاً مجدياً. وهذا الاستعداد يؤدي بالنتيجة إلى الإخلال مرة أخرى بتوازن القوى.
كان علينا إذن أن ننفذ برنامجنا في الوقت المحدد لنتمكن من خلق ظروف كفيلة تلفت انتباه العالم إلى القضية الفلسطينية ووجوب إيجاد حل لها. مع العلم أن نجاح مخططنا كان جديراً بأن يجعل العالم العربي في وضع لم يكن له مثله قط في وقت من الأوقات.
ولا بد من أن أضيف إلى المصاعب التي اعترضت مشروع القيادة العربية الموحدة، النشاطات غير المرغوب فيها من جانب منظمة التحرير الفلسطينية.