الحمد لله حمدا يبلغني رضاه، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد خير من اصطفاه، وعلى آله الطيبين، وصحبه المخلصين الصادقين، وعلى من اتبع هداه إلى يوم الدين!.
أما بعد:
You are here
قراءة كتاب الإسلام والغرب وجها لوجه
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

الإسلام والغرب وجها لوجه
الصفحة رقم: 4
التعددية الدينية والمذهبية بين الفكر الإسلامي والغربي
اتضح لنا مما سبق أنّ التعددية في الفكر الإسلامي كانت سمة واضحة من السمات التي اتسم بها المسلمون في العصور الإسلامية، لكنا لا نجد شيئا من تلك التعددية في دول الغرب، سواء كانت التعددية الدينية أم التعددية المذهبية في ظلّ الدين المسيحي، وإن ينس الناس شيئا فلن ينسوا الحروب المذهبية التي استعرت في الغرب، وكيف كانت الاحتفالات تُقام هنا وهناك؛ شكرا لله على الانتصار على المذهب الديني الآخر.
أمّا عن موقف الغربيين من الإسلام، فقد اشتد الصراع معهم في أوائل القرن الخامس الهجري، وبلغ قمته في القرنين السادس والسابع، وانتهى ذلك الصراع بمأساتين للمسلمين: الأولى مأساتهم في الأندلس، والثانية مأساتهم فيما أصابهم في الحروب الصليبية. وحسبنا أن نعلم أنّ (فرديناند وإيزابلا) أصدرا أمرا جاء فيه:
(إنّه لما كان الله قد اختارنا لتطهير مملكة غرناطة من الكفرة، فإنه يحظر وجود المسلمين فيها، فإذا كان بها بعضهم، فإنّه يحظر عليهم أن يتصلوا بغيرهم؛ خوفا من أن يتأخّر تنصيرهم، أو بأولئك الذين نُصّروا لئلا يفسد إيمانهم، ويعاقب المخالفون بالموت، وبمصادرة الأموال)( ).
أمّا بابا روما، فقد أصدر سنة 1524 مرسوما يطلب فيه الإسراع بتنصير المسلمين، وأن يطردوا من يأبى منهم التنصير من اسبانيا، وأن يعاقب من يأبى ذلك بالرق مدى الحياة، ثم صدر المرسوم الآخر الذي طلب فيه البابا أن تؤخذ مساجد المسلمين منهم وتقلب إلى كنائس. وتوالت المراسيم الواحدة بعد الأخرى التي تضطهد المسلمين لتخرجهم من دينهم، فصدر الأمر الملكي بأن يضع المسلمون شارة زرقاء على قبعاتهم، وأن يسجدوا إذا رأوا كبير الأحبار، وألاّ يقيموا شعائرهم الدينية( ).
ولم يكتفوا بهذا، بل قاموا بحرق المسلمين في المدينة أمام الناس، أولئك الذين ظلوا مستقيمين على دينهم، وأخذوا أطفالهم، وجعلوهم في المدارس النصرانية؛ لينشئوهم على ذلك.
وبهذه الأساليب انتهى أمر الإسلام في الأندلس، ولم يبق فيه من يوحد الله، وقاموا-أيضا- باستئصال أكثر الآثار الإسلامية منها.
وشهد شاهد من أهلها
وقد شهد بمعاملة المسلمين لغيرهم بالتسامح غير المسلمين فقال (ول ديورانت):
(إنّ أهل الذمة من المسيحيين والزردشتيين واليهود والصابئين كانوا يستمتعون في عهد الخلافة بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيرا في البلاد المسيحية في هذه الأيام..كانوا أحرارا في ممارسة شعائرهم الدينية، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم..وأصبح المسيحيون الخارجون على كنيسة الدولة البيزنطية، والذين كانوا يلقون صورا من الاضطهاد على يد بطارقة القسطنطينية وأورشليم والإسكندرية وأنطاكية أحرارا آمنين تحت حكم المسلمين، بل إنّ والي أنطاكية (المسلم) عيّن حرسا خاصا؛ ليمنع الطوائف المسيحية من أن يقتل بعضها بعضا)( ).
وقال المستشرق الفرنسي الدكتور (غوستاف لوبون):
(إنّ الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب، ولا دينا سمحا مثل دينهم)( ).
وبعث البطريرك النسطوري (ابشويان الثالث) إلى (سيمون) أسقف (أردشير) الرسالة الآتية:
(العرب الذين أعطاهم الله ملك العالم برمته هم بينكم كما تعلمون، لم يهاجموا العقيدة المسيحية، بل إنهم يعطفون على ديننا، ويكرمون قديسنا، ويساعدون في بناء الكنائس والأديرة)( ).
إنّ سماحة المسلمين مع أهل الكتاب خاصة، وإكرامهم، وإعطاءهم مناصب مهمة في دولة الإسلام أضحت من الحقائق المسلّم بها. ويحقّ لكل أحد أن يسأل بعد ذلك: في أي عهد من العهود استوزر الكاثوليك بروتستانتيا؟.