الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد، فقد شرع لنا رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم سنن الهدى، وخير الهدي هديه، وكان صحابته رضي الله عنهم التطبيق العملي للإسلام وفق التربية النبوية، وكانوا نماذج يقتدى بها ويهتدى بعملها
You are here
قراءة كتاب الزهد في الإسلام - قراءة في صفة الصفوة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
نماذج من زهد الفاروق
الفاروق عمر بن الخطاب،رضي الله عنه، هو ثاني من ولي أمر المسلمين بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم)، لما أسلم عز الإسلام، وهاجر جهرا، وشهد بدرا وأحدا، والمشاهد كلها.
وهو أول خليفة دعي بأمير المؤمنين، وأول من كتب التاريخ للمسلمين، وأول من جمع الناس على صلاة التراويح، وأول من عسَّ في عمله «أي تفقد الرعية في الليل»، وحمل الدرة وأدب بها، وفتح الفتوح، ووضع الخراج، وحصر الأمصار، واستقضى القضاة، وفرض الأعطية.ذلك بعض ما ذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة من مناقب عمر رضي اللّه عنه.
وكان عمر من الزاهدين، على ما كان في عصره من فتوح، وما يسر اللّه تعالى على يده للإسلام والمسلمين من خير.
كان عمر من الزاهدين، لكنه كان الزهد الإيجابي فهو لم يطغ بما تحقق في عهده من هزائم للروم، وزوال لدولة الفرس، وامتداد لدولة الإسلام.
وكان من زهده أن يتعاهد امرأة عجوزا عمياء مقعدة يأتيها في الليل فيصلح أمرها، ويرعى شؤونها.
وفي عام الرمادة كان إذا أمسى أتى بخبز قد فُت في الزيت فيأكله.
وفي يوم من الأيام نحر جزور، فأطعم منه الناس، وجاءه من تولى الذبح والطبخ بقدر فيه من السنام والكبد، رغبة في أن يأكل منه أمير المؤمنين، ويصلح بعض شأنه، فماذا كان موقفه؟
قال: بئس الوالي أنا أن أكلت أطيبها، وأطعمت الناس كراديسها، ارفع هذه الجفنة، هات لنا غير هذا الطعام،
فأتي بخبز وزيت، فجعل يكسر الخبز بيده ويضعه في الزيت، وأمر خادمه «يرفأ» أن يذهب بالجفنة إلى قوم في أقصى المدينة لم يتفقدهم منذ ثلاثة أيام.
أليس هذا من الزهد في المنصب واستغلاله للصالح الفردي؟
أليس هذا زهدا في طعام يذهب سريعا لكن يبقى أثر الاستئثار فيه في النفس وفي التاريخ؟
كان عمر رضي اللّه عنه خليفة، وتحت يده بيت المال، وآلت إليه كنوز كسرى، وخيرات بلاد قيصر، فكيف كان حاله مع ذلك كله؟
هل تحول إلى قيصر أو إلى كسرى؟
خطب الناس وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة.وقد أشفقت عليه ابنته أم المؤمنين حفصة، فقالت: يا أمير المؤمنين، لو اكتسيت ثوبا هو ألين من ثوبك، وأكلت طعاما هو أطيب من طعامك، فقد وسع اللّه من الرزق، وأكثر من الخير.
فقال: إني سأخاصمك إلى نفسك، أما تذكرين ما كان رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم)يلقى من شدة العيش، وكذلك أبو بكر؟ فما زال يذكره حتى أبكاها،
فقال لها: أما واللّه لأشركنهما في مثل عيشهما الشديد لعلي أدرك عيشهما الرخي.
إنه زهد القادر الذي كان ينظر إلى الدار الآخرة والأجر فيها، فأين هذا مما شاع من بعد من مفهوم سلبي للزهد، هجر أصحابه الدنيا، وعطلوا عمارة الأرض، وهي غاية تتحقق من خلالها تجليات الأسماء الحسنى على يد هذا الإنسان المستخلف في الأرض. وذلك ما لنا عنه حديث من بعد، ونحن نستعرض صور الزهد التي أوردها ابن الجوزي في كتاب صفة الصفوة لأجيال جاءت بعد عهد الصحابة.