نزول القرآن على سبعة أحرف يسر على الأمة الأمية تلاوة القرآن فراعى أحوالهم واختلاف لهجاتهم، فزادهم بالتيسير بشراً وحبوراً، واستقرت الأحرف من خلال معارضة جبريل القرآن مع النبي كل عام، فأضحت معروفة بالقراءات، ووقى الله سبحانه وتعالى الأمة الاختلاف قطميراً كان
You are here
قراءة كتاب إضاءات في التفريق بين الأحرف السبعة والسبع القراءات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
القول الرابع
قيل: إنها سبع لغات من لغات العرب نزل عليها القرآن، على معنى أن القرآن في جملته لا يخرج في كلماته عن سبع لغات هي أفصح لغاتهم، ولكنّ أكثره بلغة قريش(35)، واحتج أصحاب هذا الرأي بقول عثمان رضي الله عنه حين أمرهم بكتب المصاحف: ما اختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلغة قريش فإنه أكثر ما نزل بلسانهم(36).
وجمع بين هذا القول وسابقه صاحبُ فتح الباري(37) فقال: ( يمكن الجمع بين القولين بأن يكون المراد بالأحرف تغاير الألفاظ مع اتفاق المعنى مع انحصار ذلك في سبع لغات) انتهى.
وأجيب عن كون الأحرف هي اللغات بأن القرآن نزل بلسان قريش لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ}(38)، وبأن لغات العرب أكثر من سبع، وبأن عمر وهشام رضي الله عنهما كلاهما قرشي، لغتهما واحدة، ومن قبيلة واحدة، وقد اختلفت قراءتهما في ألفاظ سورة واحدة، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته، فدّل على أن المراد بالأحرف السبعة غير ما يقصدونه، ثم إنه لم يثبت أن القرآن قرئ بمثل كشكشة قبيلة قيس وعنعنة تيم، وقد سبق بيانهما في قصة الأحرف السبعة، فارجع إليه راشداً.
ومما رد به على هذا القول أن العرب لا تركب لغة بعضها بعضاً ومحال أن يُقرئ النبي أحداً بغير لغته(39).
القول الخامس
قيل: المراد بالأحرف السبعة الأوجه التي يقع فيها التغاير، وحصرها ابن قتيبة(40) في سبعة أوجه، فقال(41):
( قد تدبرت وجوه الخلاف في القراءات فوجدتها سبعة أوجه:
أولها: الاختلاف في إعراب الكلمة، أو في حركة بنائها بما لا يزيلها عن صورتها في الكتاب ولا يُغيّر معناها، نحو قوله تعالى: { وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}(42)، قرئ { وهل يُجازى إلا الكفور}.
والوجه الثاني: أن يكون الاختلاف في إعراب الكلمة ، وحركات بنائها بما يُغير معناها ولا يزيلها عن صورتها في الكتاب(43)، نحو قوله تعالى: {رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا}(44) قرئ { ربُّنا باعَدَ بين أسفارنا}.
والوجه الثالث: أن يكون الاختلاف في حروف الكلمة دون إعرابها بما يُغيّر معناها، ولا يزيل صورتها(45)، نحو قوله تعالى: {وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا}(46) قرئ{ كيف ننشرها}.
الوجه الرابع: أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يُغيّر صورتها في الكتاب، ولا يُغيّر معناها؛ نحو قوله تعالى: {كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ}(47) قرئ {كالصوف المنفوش}.
الوجه الخامس: أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يزيل صورتها ومعناها، نحو قوله تعالى: {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ}(48) قرئ { وطلع منضود}.
الوجه السادس: أن يكون الاختلاف بالتقديم والتأخير، نحو قوله تعالى: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ}(49) قرئ {وجاءت سكرة الحق بالموت}.
الوجه السابع: أن يكون الاختلاف بالزيادة والنقصان، نحو قوله تعالى: {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ}(50)، قرئ { وما عملت أيديهم}.
وكل هذه الحروف لكلام الله تعالى، نزل بها الروح الأمين على رسوله ، وذلك أنه كان يعارضه في كل شهر من شهور رمضان بما اجتمع عنده من القرآن، فيُحكم الله إليه من ذلك ما يشاء، وينسخ ما يشاء، وييسر على عباده ما يشاء، فكان من تيسيره أن أمره بأن يقرئ كل قوم بلغتهم، وما جرت عليه عادتهم، فالهذلي يقرأ {عتى حين}، يريد {حَتَّى حِينٍ }(51)، لأنه هكذا يلفظ بها ويستعملها) انتهى قول ابن قتيبة.
ومن العلماء من نقّح هذا الكلام ونقله(52)دون نسبته لابن قتيبة! ولقد ذهب إلى هذا القول كثير من العلماء، ولا يخفى أن أصحاب هذا القول حريصون على إثبات أن المصاحف الموجودة الآن مشتملة على الأحرف السبعة جميعها، ورُد هذا القول بأن بعض وجوه التغاير والاختلاف التي يذكرونها ورد بقراءات الآحاد، ولا خلاف في أن كل ما هو قرآن يجب أن يكون متواتراً، وهذا كافٍ لرد هذا القول، ثم أن الرخصة في الأحرف كانت وأكثرهم يومئذ لا يكتب ولا يعرف الرسم، وإنما كانوا يعرفون الحروف بمخارجها، وما ذكروه من أوجه التغاير يرجع إلى الخط.