كتاب "الثورة الإسلامية و الاقتصاد..صراع النخب حول استقلال الاقتصاد الإيراني"، الصادر عن عن دار التنوير للنشر والتوزيع، للباحثة اواليلي بساران مديرة للدراسات السياسية والنفسية بكلية موراي بجامعة كامب
قراءة كتاب الثورة الإسلاميـة والاقتصاد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المقدّمة
يُنظر لقوى العولمة الاقتصادية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية باعتبارها تهديدًا أكثر من كونها فرصة. فحينما أسقط الثوّار النظام الملكي البهلوي القديم في فبراير 1979، كانت الآمال مرتفعة بأنّه سيتمّ، أخيرًا، وضع حدّ للتدخُّل الأجنبي غير المرغوب فيه في الاقتصاد الإيراني، واستمرّ رجعُ صدى الهدف الأكثر تفاخرًا به عن الاستقلال الاقتصادي يتردّد في كافّة ممرّات السلطة في طهران منذ ذلك الوقت. ولكن، على أيّة حال، بعد أكثر من ثلاثة عقود لم يتمّ التوصّل لتوافق بين النخَب الحاكمة للبلاد في الإجابة عن السؤال حول ماهية هذا الاستقلال الاقتصادي وشكله، وبأيّة وسائل يمكن بلوغه. وقد ترتّب على ذلك، نشوب صراع حول ميراث هذا الطموح الثوري المهمّ طوال عهد ما بعد الثورة في إيران. وخلافًا لتوقّعات الكثيرين بأنّه بمجرد انتهاء الثورة ستسعى الجمهورية الإسلامية لتحرير الاقتصاد وتطبيع العلاقات مع العالم الخارجي، استمرّ الصراع حول الهدف المثالي للاستقلال الاقتصادي حيًّا بعد تعزيز الجمهورية الإسلامية لمواقعها ووفاة مؤسّسها الكاريزمي، آية الله الخميني.
وطبقًا لهؤلاء الذين افترضوا أنّ دولةَ ما بعد الثورة سوف يتحتّم عليها التراجع عن التشدُّد الظاهر للحركات الثورية والتحرّك بمرور الوقت تجاه الحالة «الطبيعية»، كان استمرار نضال إيران من أجل الاستقلال الاقتصادي محيِّرًا إلى حدّ ما. وإذا ما وضع في الاعتبار، بشكل خاصّ، أهمّية قطاع البتروكيماويات للاقتصاد الوطني، فقد يبدو أنّ معارضة الجمهورية الإسلامية لإملاءات العولمة يمثّل إنكارًا تامًّا للترابط الجوهري القائم بين هذا القطاع وبين النظام الاقتصادي العالمي. فمن خلال تصدير النفط الخام واستيراد البنزين، وكذلك استيراد طائفة واسعة من السلع الاستهلاكية (وبالرغم من القيام بذلك في ظلّ رسومٍ جمركية مرتفعة)، كانت دولة إيران ما بعد الثورة قد أظهرت بالفعل استعدادها للقبول بالعديد من أوجه الارتباط الاقتصادي بالعالم الخارجي، وظلّت في الوقت ذاته حسّاسة لقضايا أخرى مثل تحرير تدفّقات رأس المال الأجنبي.
وعلى أيّة حال، يمكن تفهّم هذه الأبعاد المتناقضة في المنهج الإيراني تجاه الاقتصاد العالمي حينما يولى الاهتمام للطبيعة المعقّدة لخبرات ما بعد الثورة. فبدلًا من البحث عبثًا عن إشارات «للتطبيع» ما بعد الثورة، فإنّه من المهم تقدير إلى أيّ مدى كان الصراع ما بين الفصائل الحزبية للفائزين في الثورة في حدّ ذاته نتيجة عادية للثورة. فمع انغماس الطيف المتعدّد للحركة الثورية في عملية طويلة من الجدال حول مستقبل النظام الجديد، فقد تمّ اجتذاب سياسات نظام ما بعد الثورة في عدّة اتجاهات مختلفة، أما هؤلاء الذين كانوا ينتظرون تقدّمًا سلسًا وخطيًا تجاه مفهوم معيّن «للتطبيع» فقد خاب أملهم بالتأكيد. ومع الوضع في الاعتبار أنّ طموحات أيّ ثورة تكون بالضرورة متعدّدة المحاور، وغالبًا ما يتمّ التعبير عنها في هيئة شعارات غامضة بحيث تكون جذّابة في نظر أكبر عدد ممكن من الجمهور، يصبح من المتوقّع احتدام الجدال حول السؤال عن كيفية تأويل مثل هذه الطموحات في الأجل الطويل. وفي حالة إيران، كان الصراع حول تعريف نظام ما بعد الثورة مستمرًّا منذ عام 1979، وكان واحدًا من العواقب النبيلة لهذا الصراع تقلّب النهج الاقتصادي ما بين الإصلاح ومناهضة الإصلاح.
ويقوم هذا الكتاب بتحليل عملية التفاوض المعقّدة حول السياسة الاقتصادية التي جرت خلال عهد ما بعد الثورة بين الفصائل المختلفة للنخبة الحاكمة في الجمهورية الإسلامية، فكلّ فصيل من هذه الفصائل سعى إلى تشكيل علاقة إيران مع قوى العولمة الاقتصادية وفقًا لرؤيته الخاصّة، وبينما كان هناك اتفاق بين كافّة هذه الفصائل على أنّه لا يجب السماح للشركات الأجنبية باستغلال الاقتصاد الإيراني بطريقة غير عادلة، فقد انخفض مستوى الاتفاق العامّ حينما طُرح السؤال حول ما هي الإجراءات المحدّدة التي يمكن اتخاذها لتحقيق هذا الهدف. ومن أجل تفسير لماذا ظلّت الدولة الإيرانية ما بعد الثورة على ولائها للتصوّر المثالي العامّ حول الاستقلال الاقتصادي حتّى مع الإقدام على طرح سياسات معيّنة تهدف إلى تسهيل تدفّق رأس المال الأجنبي، ركّز هذا الكتاب على الإطار الدستوري الذي تمّ تأسيسه في إيران بعد الإطاحة بالملَكية البهلوية. وكان من الضروري أن تقوم هذه الدراسة حول الإصلاح ومناهضة الإصلاح في عهد ما بعد الثورة على قاعدة هيكل الدولة المضمر، كون معالم النضال في الجمهورية الإسلامية حول السياسة الاقتصادية قد تشكّلت، وعلى نحو يتعذّر تجنّبه، في ظلّ السياق السياسي الذي تمّ اتخاذها فيه.
ومع الوضع في الاعتبار أنّ معارضة نظام بهلوي مضت يدًا في يد مع توجيه نقد جريء وواضح لعلاقة التبعية الاقتصادية الإيرانية الواضحة للرأسمالية الغربية، فقد تمّ تشكيل هُويّة نظام ما بعد الثورة إلى حدّ كبير في ظلّ رواية قوية عن معارضة الغرب، وتمّ وضع صياغة لهذه الهُويّة في دستور الجمهورية الإسلامية الجديد. وبالرغم من أنّ الدستور خدم من أجل التأكيد على الأهداف المشتركة للنخب الإيرانية الحاكمة في فترة ما بعد الثورة مباشرة، فقد سمح دستور 1979 أيضًا بمساحة معقولة للصراع بين الفصائل السياسية حول سؤال كيف يمكن على أفضل وجه ترجمة هذه الأهداف الأساسية إلى سياسات فعلية، وعلى أساس إدارتها للعمل اليومي. وكانت مساحة هذه الصراعات بين الفصائل السياسية قد تمّ صياغتها، إلى حدّ كبير، صياغة متميّزة مختلطة من قِبل كلّ من المؤسّسات المعيّنة والمنتخبة التي تواجدت في الدولة الإيرانية ما بعد الثورة. وبشكل خاصّ، فبينما مالت الهيئات المعيّنة للنخب الحاكمة للجمهورية الإسلامية إلى الارتباط القوي بالميراث الثوري المعارض للإمبريالية والمعارض للعولمة، فقد كان هناك بعضهم في المؤسّسات المنتخبة الذين طوّروا هُويّات ومعتقدات جديدة أكثر قبولًا بقوى العولمة الاقتصادية. ولم تكن الهيئات المعيّنة والمنتخبة، بالطبع، لديها مواقف ضدّ بعضها البعض طول الوقت، ولكن هذا الكتاب سوف يبيّن كيف شكّلت وجهات النظر المتنافسة للمؤسّسات المختلفة الجدال حول هدف الاستقلال الاقتصادي على مدار الأعوام منذ عام 1979.