قراءة كتاب الثورة الإسلاميـة والاقتصاد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الثورة الإسلاميـة والاقتصاد

الثورة الإسلاميـة والاقتصاد

كتاب "الثورة الإسلامية و الاقتصاد..صراع النخب حول استقلال الاقتصاد الإيراني"، الصادر عن عن دار التنوير للنشر والتوزيع، للباحثة اواليلي بساران مديرة للدراسات السياسية والنفسية بكلية موراي بجامعة كامب

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 5

إعادة التفكير في ترميدور ما بعد الثورة

تميل عواطف ومثاليّات أيّ حركة ثورية غالبًا إلى الخمود بمجرد إنجاز الأهداف المباشرة لها، مفسحة المجال أمام بقايا ما كان قد تمّ معارضته بصخب من قِبل الثوّار لكي يعاود الظهور على السطح تدريجيًّا ويتمّ التسامح معه مرّة أخرى. ومحاكاة لردِّ الفعل الترميدوري الذي أدّى لنهاية حكم الإرهاب في فرنسا ما بعد الثورة، يبدو أنّ العديد من الثورات الكبرى في العالم قد شهدت في نهاية المطاف إحلال المحافظة محلّ الراديكالية، وربّما حتّى العودة إلى الحالة «الطبيعية» لفترة ما قبل الثورة. مع الوضع في الاعتبار أنّ كلمة «ثورة» قد بزغت من الأصل باعتبارها وصفًا للدوران المنتظم للنجوم في السماء، وتم لاحقًا استخدامها للإشارة إلى الطبيعة الدائرية للتاريخ، والتي طبقًا لها تعود كلّ الأحداث لا محالة لنقطة بدايتها الأوّلية(4)، ربّما يكون ملائمًا القول بأنّ مثل هذه النتائج يتوقّع من ثَم ظهورها.
ومع تأييده لمثل هذه الأنماط من الافتراضات عن النتائج غير الثورية للثورات، جادل المؤرّخ كرين برينتون Crane Brinton (1965) بأنّ الكثير ممّا كان ثوريًّا في المراحل المبكّرة من الثورات الفرنسية، الأمريكية، والروسية أصبح مموّهًا وخفيفًا بمجرد كسب الثوّار لانتصارهم. وبوجه خاصّ، عرض برينتون الثورة باعتباره نوعًا من الحمّى التي تعبّر عن نفسها في صورة هذيان وأعراض أخرى، ثم تهدأ في نهاية المطاف حتّى يتمّ استعادة التوازن في النهاية. وبالنسبة له، فإنّ مرحلة مهمّة في «تشريح الثورة» هي تلك المرحلة التي تشهد ترميدور ما بعد الثورة، وكما جادل فإنّه فقط بعد المرور بمثل هذه المرحلة يكون النظام الجديد قابلًا للاعتدال وتعزيز نفسه، وهذا سوف يعني أنّ الشعارات الثورية التي تدعو إلى حماية الاقتصاد الإيراني من التهديدات الإمبريالية والعولمة ينبغي أن تخمد مع مسار إدراك أنّ الاندماج في الاقتصاد العالمي هو أمر حاسم لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية.
وعلى أيّة حال، فبينما وصف برينتون عملية «الشفاء» (ibid: 17) من حمّى الثورة باعتبارها العملية التي يتمّ من خلالها محافظة المريض على العديد من خصائصه السابقة، وهو ما ينتج عنه تحوّل السياسات الاقتصادية ما بعد الثورة لكي تعود سريعًا إلى النمط الذي كانت عليه قبل الثورة، فمن المهم على الرغم من ذلك إدراك الانطباعات المستمرّة التي تترك مع المريض عن طريق مروره بخبرة الثورة. فمع مروره بكافة المراحل المختلفة للحمى الثورية، فسوف يستمرّ في الانجذاب للعديد من المثاليّات التي حدثت له خلال أيام التهوّر في هذيانه، وبهذا فسوف يظلّ محتفظًا بعدد من الخصائص المطوّرة حديثًا. وبشكل مماثل، فسوف يظلّ أيّ نظام جديد ملتزمًا بالتمسُّك بمثاليّات الحركة الثورية التي جلبته للوجود. وهذا الاستبقاء للمثاليّات في «الحقيبة الأيديولوجية» لدولة ما بعد الثورة لا يحدث بسبب غياب تطبيع النظام وتعزيزه لنفسه، ولكن بالأحرى باعتبار ذلك جزء من العملية الجارية(5). وفي الواقع، فإنّ الارتباط بوعود الثورة يمكن، بل وينبغي، أن يتمّ تأويله على أنّه عمل بالغ الرشادة، وهو عمل يمكن أن يساعد النخب الحاكمة للدولة الجديدة على تعزيز هُويّة جماعتها، والدفاع عن شرعيتها، وتجنّب المنافسين المحتملين.
وبالرغم من هذا، فإنّه فيما يتعلّق بالحالة الإيرانية، بدا أنّ العديد من المحلّلين يؤيّدون حجّة برينتون، مشيرين إلى التطوّر الظاهر لترميدور إيران ما بعد الثورة عقب موت آية الله الخميني. وعلى سبيل المثال، تحدّث أنوشروان احتشامي AnoushiravanEhteshami (1995) عن بزوغ «جمهورية ثانية» في إيران ما بعد الخميني، التي أصبحت فيها كافّة السياسات الاقتصادية وبشكل متزايد، سواء على المستوى المحلّي أو على مستوى التعامل مع الخارج، «واقعية». وبالمثل، فقد ذكر إبراهيميان بوضوح أنّه في عام 1989، «أطلق الحكم الثنائي لخامنئي ورفسنجاني ترميدور» (Abrahamian 2008: 183). وفي نفس الأثناء، ذكر محلّلون آخرون يعيشون في الغرب للوضع السياسي الإيراني خلال التسعينيات أنّ «المثالية الثورية الإيرانية نضجت وتم عودتها للروتين» (Green 1993: 58)، وأنّ «الطريق الثوري كان يمثّل فشلًا: فالثورة الإيرانية غاصت في مستنقع الصراعات الداخلية والأزمة الاقتصادية» (Roy 1994: 25) إلى درجة أنّ سياساتها يمكن «ألّا تعتبر بعد الآن أيديولوجية» (ibid: 184). وحتّى قبل موت الخميني، توقّع هوشانج أمير أحمدي بزوغ مثل هذا الترميدور، متنبّئًا بالمزيد ممّا كان يراه ك «تحوّل تدريجي للدولة الإسلامية من التزاماتها الإيديولوجية الأولية إلى المزيد من السياسات البراجماتية» (Amirahmadi 1988: 2).

Pages