كتاب "الثورة الإسلامية و الاقتصاد..صراع النخب حول استقلال الاقتصاد الإيراني"، الصادر عن عن دار التنوير للنشر والتوزيع، للباحثة اواليلي بساران مديرة للدراسات السياسية والنفسية بكلية موراي بجامعة كامب
قراءة كتاب الثورة الإسلاميـة والاقتصاد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وبينما كان تصوّر السياسات الاقتصادية وتنفيذها في الجمهورية الإسلامية له بالضرورة تأثير في المجتمع الإيراني، كان لهذا المجتمع بدوره تأثيره في مساومات الدولة بشأن السياسات الاقتصادية المستقبلية. وقد فعل المجتمع ذلك ليس بوصفه مستقلًّا، كمجموعات مصالح خاصّة وبالأسلوب الذي يعرضه منظرو الاختيار الرشيد(8)، ولكن بدلًا من ذلك يمكن النظر لتأثير المجتمع كعنصر واحد ضمن الشبكة الواسعة التي تحتوي عليها دولة ما بعد الثورة. وباختصار يمكن القول إنّ مجموعات على كامل الخطّ الواضح الفاصل ما بين الدولة والمجتمع تقوم بالتفاوض مع بعضها البعض للوصول إلى قرارات تختصّ بموقف إيران تجاه الاقتصاد العالمي، والنضال من أجل فرصة لتشكيل مستقبل النظام السياسي الذي ساعدوا جميعًا في خلقه. وقد قامت هذه المجموعات المتقاطعة والمتنافسة بتأويل كلّ من ميراث خبراتهم التاريخية والضرورات التي يخلقها موقفهم الراهن من الاقتصاد العالمي بطرق متعارضة. وقد ترتّب على ذلك، اقتراح سياسات اقتصادية متنوّعة عند نقاط زمنية مختلفة في عهد ما بعد الثورة.
وقد استمرّ حدوث تقلّب في السياسة بسبب، هذا بالطبع إلى جانب سقوط النفوذ وصعوده الذي تمارسه الفصائل المتنافسة المختلفة، أنّ أعضاء كلّ جانب كانوا بالتدريج يجدون أنفسهم يغيرون من مواقفهم، ويصبحون متأثّرين بوجهات النظر المعارضة لهم كما يقومون هم ذاتهم بالتأثير في منافسيهم كذلك. وفي ضوء ذلك، قد يبدو أنّ موقفًا أكثر انفتاحًا تجاه قوى العولمة الاقتصادية يمكنه الظهور بمرور الوقت. وفي الواقع، فإنّ جاسون برونلي (Jason Brownlee 2007) قد اقترح أنّ تواجد نزاعات مفتوحة بين النخب في إيران ما بعد الثورة بوسعه أن يكون لدية طاقة كامنة لخلق الفضاء حتّى أمام تغيّر سياسي كبير، بما في ذلك الدمقرطة. وعلى أيّة حال، ففي الممارسة، كان أيّ ميل تجاه التحرّر الاقتصادي يُعدّ محدودًا بسبب تعقيدات عملية المفاوضة التي تجعل من غير المحتمل أن يكون المنهج النيوليبرالي المفضّل من جانب مؤسّسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مقبولًا بدون على الأقلّ أن يجد نفسه متحوّلًا عن ذلك بشكل كبير عند ترجمته العملية على أرض الواقع(9). إضافةً إلى ذلك، فيجب ألّا يتم نسيان أنّ كلّ هؤلاء الذين بوسعهم التأثير في قرارات السياسة الاقتصادية يأتون هم ذاتهم من مجموعة اجتماعية معيّنة استثمرت في حفظ النظام الأوسع للجمهورية الإسلامية، والخلاف بينهم ينجم ببساطة من حقيقة أنّ كلّ منهم يُعدّ مثبّتًا في مكان مختلف من هذا النظام (Henry and Springborg 2001: 216).
وتدعم أوضاع المجموعات الاجتماعية المختلفة ضمن الشبكة الشاملة للنظام الإيراني أكثر من وجاهة الحجّة القائلة بأنّ الجمهورية الإسلامية، ليست، في الممارسة، هُويّة مستقلّة لها سيطرة تامّة على عملية صنع السياسة الاقتصادية على النحو الذي تخيّل بعضهم أن يكون الوضع عليه(10). وعلى أيّة حال، فإنّه وفقط بسبب الطبيعة التوزيعية لدولة إيران الريعية تميل إلى أن تعني أنّ «التأييد الجماهيري يظلّ مرتبطًا باستمرار تدفّق الريع» (Gheissari and Nasr 2006: 63)، فإنّه لا يترتّب على ذلك، كما يقترح غيساري ونصر، أنّ الدولة تعدّ «بشكل عام ضعيفة» (ibid: 62). بل على النقيض من ذلك، مع كون الكثير من الناس لهم مصلحة في النظام ومن ثَم يعتمدون عليه في بقائهم، فإنّ النظام يصبح قويًّا إلى حدّ كبير بطرق عدّة. ومع تموضع بعض المجموعات التي تتجادل حول السياسة الاقتصادية بإحكام في أقسام مختلفة من شبكة الدولة الزبائنية، فمن الوارد قيامها بتقديم اقتراحات تعدّ مصدرًا للخلاف، ولكن لن يسعى مع ذلك أيٌّ منهم للنأي بنفسه كلّية عن الشبكات التي يستفيدون منها هم ذاتهم.
وعلى الرغم من أنّ هناك العديد من الحجج التي تدّعي أنّ الاعتماد الإيراني على الموادّ الهيدروكربونية قد أضاف إلى تعرّض الملكية البهلوية وأسهم في نجاح ثورة إيران(11) عام1979، فقد حافظت الجمهورية الإسلامية على قدرتها على ضمّ المجموعات المحوريّة بأساليب الزبائنية خلال فترة ما بعد الثورة، وسواء كان ذلك خلال الفترة التي كانت فيها أسعار النفط مرتفعة أو الفترة التي عانت فيها من الانخفاض (Keshavarzian 2005: 68). وحتّى الآن، أثبت نظام الحكم في إيران أنّه مرن للغاية أمام كلٍّ من الضغوط الخارجية والداخلية، ربّما بسبب أنّ تداخُل الدولة مع العديد من المجموعات الاجتماعية قد وفّر الأساس لئلّا يكونَ هناك شخص بمفرده أو مؤسّسة منفردة مصدرًا مستهدفًا لتعبير الرأي العام عن غضبه.
وبطريقة مماثلة، فإنّ منطق ما بعد الثورة الذي طبقًا له ينظر لموضوع الاستقلال الاقتصادي باعتباره أمرًا مرغوبًا فيه، والذي يبدو أنّه نتيجة له يميل الاقتراب من قوى العولمة الاقتصادية لأن يكون حذرًا، قد أثبت أيضًا أنّه مرن للغاية خلال فترة ما بعد الثورة، بسبب أنّ عددًا من المجموعات التي تدعم هذا المنطق يمكن العثور عليها في كافّة المؤسسات الرئيسة، وعلى كامل مدى النطاق الواسع لشبكات الدولة.