كتاب "الثورة الإسلامية و الاقتصاد..صراع النخب حول استقلال الاقتصاد الإيراني"، الصادر عن عن دار التنوير للنشر والتوزيع، للباحثة اواليلي بساران مديرة للدراسات السياسية والنفسية بكلية موراي بجامعة كامب
قراءة كتاب الثورة الإسلاميـة والاقتصاد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
إيران كدولة شبه سلطوية
ركّزت المناقشة السابقة على نقطة واحدة هي أنّه في جمهورية إيران الإسلامية، ليس هناك فاعل منفرد قادر على تحديد السياسة وحده، وعوضًا عن ذلك، فهناك عدد من المؤسّسات هي التي تكون فيما بينها النظام السياسي الإيراني المعاصر، وتتشكّل السياسات الناتجة عن هذا النظام بواسطة تفاعلات مختلفة تحدث بين هذه المؤسسات. والنمط الذي يتمّ به تفاعل هذه المؤسّسات مع بعضها البعض يتمّ توجيهه إلى حدّ كبير بالطبيعة «شبة السلطوية» (Ottaway 2004) للإطار الدستوري الذي تعمل في ظلّه، ولكن لمّا كان هذا الإطار معقّدًا ومتعدّد الأبعاد، فإن هناك فرصًا عديدة لكي ينتج النظام الإيراني قرارات بسياسة غير متوقّعة. وعلى سبيل التحديد، فإنّ التركيب الملغز داخل دستور ما بعد الثورة لكلّ من «المبادئ الدينية والعلمانية، والميول الديمقراطية والمضادّة للديمقراطية، إلى جانب النزعات الشعبية والنخبوية» (Boroujerdi 2001: 14) قد أفسحت المجال أمام تدافع كبير وتزاحم على النفوذ بين المجموعات والمؤسّسات المتنافسة، والتي تمثّل كلّ منها واحد من أو بعض من هذه المبادئ، والميول، والنزعات، ونتيجة هذا التدافع والتنافس هو التغيير المتكرّر في هيئة ومنظور السياسة الملاحظ منذ عام 1979.
وكدولة ما بعد الثورة، فلم تقم الجمهورية الإسلامية بتدمير والإحلال محلّ كافّة المؤسسات التي كانت متواجدة قبل عهد الثورة، ولكن بدلًا من ذلك طرحت طيفًا من الهُويّات الجديدة لتجلس بجانب الوحدات الحكومية التي كانت متواجدة من قبل. وبشكل خاصّ، فإنّ الدستور ذا الثلاثة أفرع للحكومة ظلّ باقيًا، البرلمان المنتخب عن طريق الاقتراع العامّ ظلّ قائمًا، ومركز الشاه تمّ الإحلال محلّه برئيس منتخب. وإلى جانب هذه الملامح التي هي أكثر شهرة في أيّ جمهورية، على أيّة حال، تم تأسيس عدد من الأجهزة الدينية والثورية برؤية تنظر لضرورة حماية الاستقلال والهُويّة الإسلامية لدولة ما بعد الثورة، وذلك بما ينسجم مع خطّ ورؤية شخصية مؤسس الجمهورية الإسلامية الكاريزمية آية الله الخميني. وبينما بدا في البداية أنّ رؤية الخميني المؤسّسة لأسلمة المجتمع يتمّ توجيهها من أعلى عن طريق حزب جماهيري متماسك عقائديًّا وهو ما تمّ تحقيقه تحت قيادة الحزب الجمهوري الإسلامي(IRP)، فإنّه طبقًا لكلمات هوشانج شهابي فإنّ «الشمولية الإيرانية ولدت ميتة» (Chehabi 2001: 54) ونتيجة لعدم التجانس المتأصّل للمجموعة التي سيطرت على نظام ما بعد الثورة، كانت الشمولية أمرًا غير محتمل. وعوضًا عن ذلك، تم تأسيس نظامًا هجينًا حيث تتوازن السمات الديمقراطية عامّة بميول سلطوية.
وتجد العديد من هذه العناصر في الهيكل الحالي للجمهورية الإسلامية جذورها في العملية الثورية ذاتها، حيث شارك عدد من المجموعات المتباينة في حركة الإطاحة بالملكية البهلوية. ومع الوضع في الاعتبار التعدّد في الآراء القائم حتّى داخل الدائرة الصغيرة نسبيًّا من النخبة المحيطة بالخميني، ودون أن نذكر الطيف الواسع من وجهات النظر الذي كان موجودًا في التحالف الواسع للقوى الاجتماعية التي ساعدت على جعل الثورة حقيقة، فقد تمّ كتابة الدستور بطريقة جعلت التنافس بين الفصائل السياسية في أمر تأويله قدرًا محتوما(12). وإضافةً إلى ذلك، فمع تأسيس الدستور لنظام ذي سيادة مزدوجة، كما ينعكس ذلك في المزج بين كلّ من المؤسسات المنتخبة والمعينة، قدم الإطار المناسب الذي يمكن في إطاره لهذه الفصائل المتنافسة أن تستنفذ طاقتها دون أن تسبّب ضررًا مفرطًا للنظام في مجمله وبقاء نظام الحكم(13). وكما في النظم الديمقراطية، يؤمن الدستور الإيراني التنافس الانتخابي للبرلمان والرئاسة، ومعظم المنافسات بين الفصائل السياسية ما بعد الثورة حدثت بشكل مفتوح في هذه المؤسّسات الدستورية. وعلى الرغم من ذلك، فعلى حين تبدو منافسة الفصائل الإيرانية ديمقراطية، فاحتمالات أن تقوم مثل هذه المؤسّسات بتقديم إصلاح واسع المدى تعدّ محدودة للغاية عن طريق عمل العديد من الأجهزة الأخرى غير المنتخبة.
وهذا العنصر المقيّد ممتزجًا مع وجود الانتخابات هو ما يجعل الجمهورية الإسلامية هجين، نظام شبه سلطوي. وهذه النظرة لنظام الحكم الإيراني تنهض إلى حدٍّ كبير على أساس تعريف جوان لينز لنظم الحكم السلطوية باعتبارها:
نُظُمًا سياسية ذات تعدُّدية سياسية محدودة، لا يتمّ مساءلتها، بدون أيديولوجية مفصّلة، ولكن مع عقليّات منفصلة، وبدون تعبئة سياسية لا موسّعة ولا مكثّفة، إلّا عند بعض النقاط في مسيرة تطوّر هذه النظم، وحيث يمارس القائد أو أحيانًا مجموعة صغيرة السلطة داخل حدود غير معرفة بدقّة رسميًّا، ولكنّها حقيقة يمكن التنبّؤ بها تمامًا.(linz 2000: 159)
ومن الواضح أنّ جمهورية إيران الإسلامية تُظهر العديدَ من سمات هذا النموذج السلطوي، على الرغم من أنّها تجمع بين هذه السمات وسمات أخرى ترتبط عادةً بالنموذج الديمقراطي. وربّما كان الأكثر بروزًا في المشابهة بالنمط المثالي للسلطوية عند لينز هو الطبيعة المحدودة للتعدّدية السياسية الإيرانية إلى جانب أهمية العقلية الثورية لنظام الحكم الإيراني. فالدليل على التعددية السياسية يبدو في التنافس بين الفصائل والصراع الذي زادت حدّته في البلاد منذ موت الخميني في عام 1989، والعقلية المميّزة يمكن رؤيتها أيضًا في استمرار بقاء حسّ الارتباط بأهداف الثورة أمرًا أساسيًّا بالنسبة لهذه المجموعات والمؤسّسات التي تحوز على السلطة داخل نظام الحكم.