You are here

قراءة كتاب نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء

نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء

كتاب " نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء " ، تأليف د. عدنان زهران ، والذي صدر عن دار زهران عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 3

2. الاثار الفكرية والتربوية والإجتماعية والسياسية للصراع المذهبي:

أفرز هذا المفهوم للإسلام آثاراً خطيرة في ميادين الفكر، والتربية، والاجتماع، والسياسية، وأهم هذه الآثار:-

أ- الآثـار العقائدية

في ضوء ذلك الواقع تحددت أطر الإنتاج الفكري في حدود المذهب ذاته، فصارت المؤلفات إما إجتراراً وتكراراً لأفكار من سبقوا من رجال المذاهب، أو إطراء وإشارة بتضحياتهم وجهادهم، وظهرت كتب الطبقات المذهبية مثل طبقات الحنابلة، وطبقات الشافعية، وظهرت الشروح والحواشي والمختصرات المذهبية.

وفي كل هذه الأعمال الفكرية لم تنل المشكلات المعاصرة والحاجات القائمة التي تتعلق بالأمة الإسلامية آنذاك إلا إشارات هامشية سريعة.

ولقد أفرز هذا الإلتزام المذهبي نوعاً من الإرهاب الفكري ضد المستنيرين من أعضاء المذاهب نفسها، وفرض عليهم التوقف عن التفاعل الفكري مع نظرائهم من خارج المذهب، وألزمهم بالاقتصار على مطالعة كتب المذهب وتصانيفه، اما الذين كانوا يخرجون على تقاليد المذهب في الإنفلات والتعصب وينفتحون على الآخرين، فقد كانوا يصبحون هدفاً للإتهام بالنفاق وعدم الإلتزام والخروج على تقاليد المذهب مهما كانت منزلتهم العلمية، أو رتبتهم المذهبية.

ولقد شاعت ظاهرة الإرهاب الفكري والمذهبية المنغلقة ومزقت الأمة إلى جماعات ومذاهب متناحرة متنافرة.

ولكن أخطر الآثار الفكرية للحزبية المذهبية هو انقطاع اتباع المذهب عن الاتصال المباشر بالقرآن والسنة، والتوجه بعقولهم وأسماعهم وأبصارهم إلى مؤلفات رجال المذهب، على اعتبار أنها الفهم الصحيح المطلق للقرآن والسنة، وبهذه الفرضية رفع رجال المذهب فهمهم للكتاب والسنة إلى مستوى الكتاب والسنة، وجعلوا من كتّابهم ومفكريهم، من الناحية العملية، وسطاء بين الخالق والناس، وشكل الأحياء منهم، "كهانة" توجه إليها الأتباع بالطاعة الغرباء، واسبغوا عليهم من الألقاب والصفات التي كانت تصل إلى العشرات للفرد الواحد، فهو: شيخ الإسلام، والحبر الفهامة، وحجة الأمة... الخ. مما هو معروف كما جعلوهم فوق النقد أو المناقشة وقاتلوا كل من قام بذلك من داخل المذهب أو خارجه.

فقد أدى حدوث هذه الظاهرة إلى تعطل الفكر الإسلامي عن الإبداع والإجتهاد إلى الإتباع، وليس صحيحاً أن الإجتهاد توقف في التاريخ الإسلامي لأن فئة من العلماء اغلقوا باب الإجتهاد كما يشاع، ولكن الإجتهاد تعطل لأن المختصين تحولوا من الإتصال المباشر بالكتاب والسنة إلى الإلتزام بكتابات أئمة المذاهب والانغلاق على التفاعل مع الآخرين. ذلك أن الإجتهاد هو ثمرة النظر في مصدرين:

الأول: الكتاب والسنة، ومن مظاهر إعجازهما هو تجدد معانيهما بتجدد الأزمنة وتنوع الأمكنة، ومن الطبيعي أن كتابات أئمة المذاهب ليس لها مثل هذا الإعجاز، وإنما هي افهام بشرية محدودة بحدود الأزمنة التي عاصروها والأمكنة التي عاشوا فيها.

والثاني: هو الآفاق والأنفس، أي البيئة الطبيعية والاجتماعية، وهذه انقطع عنها اتباع المذاهب وتحددوا بحدودهم المذهبية، ولذلك جفت أفهام الذين توقفوا عند الاثار المذهبية والبيئية، ولم يملكوا ان ينتجوا إلا الشروح والمختصرات والحواشي.

لقد تجددت هذه الظاهرة المذهبية في فترات مختلفة من التاريخ الإسلامي، وفي كل عصر تشيع فيه فإن الفكر الإسلامي يهبط إلى الإنغلاق والجمود والتطرف، ويمضي دون تبصر في ميادين السياسة والاجتماع والثقافة.

ب- الانعكاسات التعليمية والأخلاقية والتربوية:

انعكست آثار التعصب المذهبي على التعليم ومؤسساته بشكل خطير جداً، فلقد تسرب شيوخ المذاهب إلى المدارس, وأمكنة التعليم وانتشروا فيها، واثروا تأثيراً بالغاً في مناهجها، وأهدافها، واتجاهاتها، ونوع الحياة السائدة فيها، ولقد تمثلت هذه الآثار فيما يلي:

1. فساد أهداف التعليم وغاياته: فلقد أصبحت هذه الأهداف تدور حول تأهيل الدارسين لمناصب، الإفتاء، والقضاء، والأوقاف، والتدريس، في الجامعات، والمدارس، والحسبة، وغير ذلك مما كان قائماً في ذلك الزمان، ولقد تنافست المذاهبية لهيمنة آرائها في هذه المجالات، تمهيداً لهيمنتها على المناصب والإدارات.

2. ونتيجة للأهداف المذكورة ضاق مفهوم المنهج الدراسي، فاقتصر على مباحث الفقه الخاصة بالعبارات والمعاملات التي تحددت بحدود الأطر المذهبية، ونتيجة لذلك انقسمت المدرسة الواحدة إلى دوائر وأقسام حسب المذاهب الممثلة في المدرسة، واختفت مباحث التزكية، والأخلاق، وعلوم الآخرة، وتأهيل الدعاة والمصلحين، وتوقف التجديد والإبتكار.

كذلك غلب على هذه المناهج أساليب الطابع المذهبي، والدفاع عن المذهب، ومحاولة إشاعتها بين الدراسين, أكثر من معالجة مشكلات الحياة القائمة بمعناها الشامل. ولذلك شاعت أساليب المناظرة والجدل الذي أصبح علماً مستقلاً له أصوله وقواعده، واختفت أساليب التطبيق، والتركيز على السلوك، والمهارات العقلية، والعملية.

كذلك وقع الإنشقاق بين الدراسات الإسلامية، وبين العلوم الطبيعية، والطب، والفلك، فانحسرت الأخيرة إلى المؤسسات الخاصة بسبب اقترانها بالفلسفة التي وقفت من العلوم الطبيعية موقفاً سلبياً يقوم على الريبة وعدم التشجيع.

3. تسرب المذهبية الحزبية إلى صفوف الطلبة، وإفساد روابطهم وعلاقاتهم، وتدريبهم على الخصومات والصراعات التي كانت قائمة في المجتمع، فلقد حرص المدرسون من مختلف المذاهب على اجتذاب الطلاب حولهم، وغرس المفاهيم المذهبية في عقولهم واتجاهاتهم، ونتيجة لذلك تحولت مجالس الدرس وساحات المدارس إلى ميادين لمناصرة آراء المذاهب، وتفنيد آراء المخالفين ومهاجمتهم بالتصريح والتلميح، وانقسم الطلبة إلى مجموعات مختلفة كل مجموعة تلتف حول شيخ من مدرسي المذهب، وتعظمه وتبجله، وتتلقى ما يقول دون فهم، وتنفذ أوامره دون تفكير.

لقد ترتب على ذلك أن أصبحت المصادمات وحوادث الشجار بين مجموعات الطلبة ظاهرة بارزة في المدارس، فكثيراً ما كان اتباع المذهب الواحد يستقدمون شيخاً من رجال المذهب نفسه أو من مدينة اخرى لإلقاء درس أو محاضرة عامة، وخلال هذه الدروس والمحاضرات يجري التعرض للمذاهب الأخرى، فتنشب الفتن وتثور الخصومات.

Pages