كتاب " نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء " ، تأليف د. عدنان زهران ، والذي صدر عن دار زهران عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء
1. الملامتيـة
يجعل مؤرخو الصوفية القدماء- من أمثال أبى نعيم والسلمي(6) والهجويري(7)- أبرز رواد الملامتية(8) هو حمدون القصار المتوفى عام 271هـ/884 م الذي نقل عنه قوله : «إن النفس لأمارة بالسوء وإن لانت، فهي لا تنقاد لطاعة إلا وتضمر شراً، ولذلك يجب اتهامها في جميع الأوقات» وقوله كذلك:الملامة هي ترك السلامة. ولم يكن حمدان هذا إلا واحداً من كبار شيوخ التصوف السني امتاز باليقظة الوجدانية ومراقبة النفس هو وتلميذه عبد الله بن منازل المتوفى عام 329هـ/940 م والذي أصبح شيخ الملامتية من بعده، فقد جعل دنــاءة النفس وتأصل الشر فيها قاعدة اصلية، ومن كلامه في ذلك ( لو صح لعبد في عمـره نفس واحد من غير رياء ولا شرك لأثر بركات ذلك عليه إلى آخر الدهر).
ثم خلفه محمد بن أحمد الفراء فعمق هذا الأصل بمقولاته وقرر (أن كتمان الحسنات أولى من كتمان السيئات) (9). كما أول كلام المشايخ المتقدمين تأويلاً يدعم ما جاء به. فنقل عن حمدون القصار قوله: (إذا رأيت سكراناً فتمايل لئلا تنعى عليه فتبتلى بمثل ذلك) (10) ويبدو أن هذا التأصيل لشرور النفس قد شجع الاتباع على الخروج على الآداب العامة، وصار احتقار الناس لهم مطلباً بحجة أن الإخلاص لا يتحقق إلا إذا سقط العبد من عيون الخلق، فكان منهم من يعمل نهاره في السوق ليوزع ما يجنيه سراً على الفقراء ثم يسأل الناس طعامه سعياً وراء التحقير والإهانة، ويذكر الهجويري أنه رأى منهم من هجر الطعام وراح يعيش على النفايات الملقاه والخضراوات المتعفنة، ويجمع الخرق الملقاه على المزابل فيغسلها ويخيط منها مرقعات يسلمونها للقذارة والأوساخ حتى تصبح عشاً للحشرات والعقارب، وأنه شاهد في اذربيجان بعض المتصوفة وهم يدورون على بيادر القمح يتسولون لشيوخهم.
انتشرت الملامتية فيما بعد ومضت قدماً في طريقها المغالي حتى إذا جاء القرن الخامس والقرن السادس آل أمرهم، كما ذكر ابن الجوزي والسهرودي(11)- إلى فرقة خرجت على تعاليم الشريعة واستباحت المحرمات وقالت أن المراد خلوص القلب إلى الله. اما التقيد بالشرع فهو رتبة القاصرين عن الفهم .
2. الإحلاليون والخوارج على أصول الشريعة
تمثل هذا الإتجاه بطوائف يجمعها الخروج على تعاليم الشريعة، فكان منهم اتباع الحلاج(12) الذين تداعوا لمناقشة القضايا التي صلب من أجلها وانتهى بعضهم إلى أن صلبه مقتضيات التضحية التي يفرضها مقامه إذ لا معنى لفناء الصفات دون فناء الجسد، ومنهم من أنكر موت الحلاج وقال برفعه إلى السماء وان الذي صلب هو عدو له ألقى الله عليه شبهه.
ولقد ظل اتباع الحلاج هؤلاء يقيمون في بغداد والمناطق المتخامة لها حتى القرنين الخامس والسادس الهجريين وكانوا يسمون بالحلاجين ويتكلمون عنه في غلو يشبه الشيعة في علي بن أبي طالب.
ولقد تطورت نظرية الحلول في القرنين الخامس والسادس فلم يعد الحلول وقفاً على فئة العارفين بل شمل كل شئ جميل، وانطلاقاً من هذا فقد أباح الحلوليون النظر إلى المستحسنات باعتبار أنهم ينظرون إلى جمال الله.
وبرزت طائفة تقول أن الشريعة قيد للفرد في مقام العبودية وهو مقام الجهل بالله. فإذا عرف الصوفي ربه فقد تحلى بالحرية وسقطت عنه بالأشكال والمظاهر كلبس المرقعات وصياغة الألحان والرقص. ووجدت طوائف تخلط الرجال بالنساء وحجتهم أنهم بلغوا مقاماً عصموا فيه رؤيتهن.
وأخيراً تطالعنا القلندرية وهم- حسب تعبير السهرودي: "أقوام ملكهم سكر طيبة قلوبهم حتى ضربوا العادات وطرحوا التقيد بالآداب العامة، ولم يأتوا من العبادات إلا الفرائض وأخذوا بالرخص ولم يتحروا الشبهات.. واكتفوا من التصوف بطيبة القلب" (13) والقلندرية معناها في العربيةالمحلقون وقد نشأت فرقتهم في دركزين من همدان(14)، ثم زحفت نحو العراق وبرزت في القرن السابع في الشام حيث أقامت لها زوايا تميز أصحابها بلبس الفراجي والطراطير.