كتاب " نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء " ، تأليف د. عدنان زهران ، والذي صدر عن دار زهران عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء
ومن الآثار السياسية أن العلاقات بين المذاهب الإسلامية والحكومات القائمة صارت تتشكل حسب مواقف هذه الحكومات من تلك المذاهب، وحسب استجابتها أو رفضها لأطماع هذه المذاهب. فإذا مكنت الحكومة رجالات المذهب من مناصب الدولة التي يتطلعون إليها، رضى المذهب وأتباعه واشادوا بعدل الدولة وبخدمتها للإسلام وإذا لم ينل المذهب ما يرنو إليه جعل الحكومة هدفاً للتشهير والتجريح. وعمد خطباؤه ووعاظه إلى إثارة العامة في المساجد، اماكن العلم وإلى تخريب الطلبة في المدارس. وكثيراً ما قاد علماء المذهب الساخط المظاهرات لأن الحكومة (كما كانوا يعلنون) تهاونت في تولية " وزير ظالم أو قاض مترخص" والقاضي المترخص هنا من مذهب آخر، وإذا ساعدت الدولة أحد المذاهب اعتبرت المذاهب منصباً ركز همه على النيل من أتباع المذاهب الأخرى بالقول والعمل.
وإزاء هذا التنافس بين المذاهب على حطام الدنيا تحت ستار الدين استخفت الدولة بالمشايخ والوعاظ، وهيمنة السلاطين والقادة على المؤسسات العلمية والقضائية، وصاروا يعينون القضاة والمدرسين، أو يعزلونهم وينزلون بهم العقاب، ويتدخلون في وضع المناهج الدراسية وتعيين المذهب الرسمي للدولة.
ولم تكن هذه المواقف المذهبية وآثارها التي استعرضناها إلا نماذج للعلاقات التي كانت قائمة بين مختلف الجماعات والفرق الإسلامية في العراق وغيرها من أقطار العالم الإسلامي. فقد أطنب المؤرخون في سرد الصراعات المذهبية في بلاد الشام وغيرها وقدموا الأمثلة الكثيرة للأحقاد التي كان يكنها المذهبيون بعضهم لبعض.
ولقد طغى تسجيل هذه الإتجاهات المذهبية على مؤرخي هذه الفترة، وجعلوا لكل مذهب طبقات، في حين لم تحظ الكوارث والمشكلات التي كانت تتوالى وعلى رأسها حملات الصليبيين إلا إشارات مقتضبة خالية من المشاركة الوجدانية.
ونخلص من ذلك كله إلى أنه لم يكن لدى الفكر الإسلامي والمؤسسات التي كانت تمثله الأهداف والمفاهيم التي تتناسب والحاجات والتحديات القائمة، ولا كان هناك الإستراتيجيات التي تمكن هذه المؤسسات من تحمل مسؤولياتها في المجتمعات الإسلامية المعاصرة.
ثانياً: الشيع الصوفية وتطرفها
لم تقتصر الأمراض المذهبية وسلبياتها على المذاهب الفقهية وإنما امتدت إلى الصوفية المعاصرة، وأصابتها بالإنحراف والإنقسام والشكلية في السلوك والتطبيقات.
والأصل في التصوف أنه نشأ كمدارس تربوية- كالمدارس الفقهية- هدفها تزكية النفس وصقل الأخلاق، مثل المدرسة المحاسبية نسبة إلى الحارث المحاسبي، والمدرسة الجنيدية نسبة إلى الجنيد البغدادي، والمدرسة النورية نسبة إلى ابي الحسن النوري، والمدرسة النيسابروية نسبة إلى ابى جعفر النيسابوري، ومدرسة سري السقطي وغيرها.
ولم تكن هذه المدارس تغلو في آرائها ولا تخرج عن قيد الشريعة في شئ كما فعل ذلك ابن تيمية في فتاويه. غير أن عوامل التطور عمت في هذه المدارس التربوية فطورتها إلى طرق كما تطورت المدارس الفقهية إلى مذاهب.
ومهما كان أمر التطور التاريخي للصوفية فقد انتهى في الفترة التي نتحدث عنها بانقسامه إلى ثلاث اتجاهات هي: