كتاب " القضاء وبنيته في النص النقدي والروائي " ، تأليف بلسم محمد إبراهيم الشيباني ، والذي صدر عن دار زهران عام 2003 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب القضاء وبنيته في النص النقدي والروائي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
القضاء وبنيته في النص النقدي والروائي
مقدمة
دخل النقد العربيّ مرحلة صار فيها الاتجاه نحو تغيير أفق التعامل مع النصّ سردياً كان أم شعرياً حاجة لازمة، وأهم مظاهر هذا التغيير تتبدَّى في الاهتمام بما يطلق عليه (الشكل)، وعدم الفصل بين الشكل والمضمون، وإضاءة الأسرار الداخلية للنصوص، ولكن لا يكون ذلك إلاّ بإحداث تنوّع قرائيّ وبالاهتمام بالنظريات النقدية الحديثة السائدة وغير السائدة.
لأجل هذا، فإن الدخول في الممارسة النقديّة لمساءلة النصوص نفسها، والسعي نحو استنطاقها ذاتها، وليس فيما يدور حولها من مرجعيّات تاريخيّة، أو أطر اجتماعيّة وما إليها أو فيما له علاقة بتحليل شخصية الكاتب ونفسيته أو منظومته الفكريّة كان الهاجس الذي انبثقت منه فكرة هذا البحث.
ثم كان اتجاهنا إلى إبراهيم الكوني، ليس لأنه يمثّل علامة مضيئة في المشهد الروائيّ العربيّ والعالميّ على حدٍّ سواء، وإنما لقيام أعماله الإبداعيّة برمتها على مشروع سرديّ يجسِّد المكان/الفضاء سطوتَه الأولى، وفكرتَه الأساس، وحتى يمكن الإمساك بجوانب هذا المشروع السرديّ كان لابدّ من الاشتغال على أول عمل روائيّ للكاتب، وهو (رباعية الخسوف) التي أظهرت المتابعة النقديّة ضعف الاهتمام والعناية بها، كما أن التصوّر الذي دخلنا به لاستنطاق بنية فضاء النص بدا متوائماً مع طبيعة هذا العمل الروائيّ؛ ولذلك اخترنا رباعيَّة الخسوف متناً روائيّاً لمقاربة مقولة الفضاء.
وفي هذا الإطار، فإن ما يهدف إليه البحث باشتغاله على رباعيَّة الخسوف يظلّ محصوراً في تقديم قراءة يمكن أن توصف بأنها إحدى القراءات الممكنة، وإحدى أوجه التلقّي التي يُسْتَنْطَقُ من خلالها الفضاء في الرباعيَّة ليكون الفضاء فيها قابلاً لأن يُقْرَأ بأشكال أخرى مخالِفة أو حتى مغايِرة.
وهنا، وَقَع اختيارنا على البنيويَّة منهجاً، غيرَ أننا نزعنا عنها صرامة المنهج، واستبعدنا قيودَه حتى لم نُبقِ إلا على ما يجعلنا نتمسك بالمرونة التي تسمح بأن يكون المنهج في خدمة البحث، وليس البحث في خدمة المنهج، وحتى غدت البنيويَّة أُفُقاً لقراءة النصّ الروائيّ، ولم تَعُدْ منهجا ملزِماً بذاته، وبذلك هيَّأْنا لها إمكانات توظيف ما يُعِينُ تصوّرنا في تلقِّي فضاءات النص لنجد أنفسنا قادرين على أن نستمدَّ من البنيويَّة الشكليَّة ما نشيّد به منظورنا النقديّ الطامح نحو إخراج صورة إحدى القوانين الداخليَّة المتحكِّمة في صياغة مقولة الفضاء في الرباعيَّة، ومن البنيويَّة الهيكليَّة ما لا تناقضَ فيه مع التصوّر الذي انطلقنا منه.
وعلى مثل هذا النحو من تطويع المنهج، جاء اشتغالنا على الأدوات الإجرائيَّة التي اخترناها سبيلاً لتقديم فضاء الرواية وصورة البحث معاً، وبذلك كان الاتجاه نحو العمل بمقتضى رؤية خاصَّة، ومفهوم محدَّد، وهي الرؤية التي يمكن تلخيصها فيما اصطُلِح عليه بـ(التقاطبات الضدّيَّة) التي كانت مساراً للبحث واستنطاقاً للنصّ.
وبصورة عامة، تحقَّق حضور مبدأ التقاطبات الضديَّة في هذا البحث بشيئين:
أولاً: بوصفه غاية أساسيَّة يجري البحث عنها في أعماق الرباعيَّة.
ثانياً: بوصفه مساراً تنظيميّاً يحقق نسق العمل النقديّ في مقاربته للرباعيَّة.
كل ذلك، في إطار وثيق لا يفصل بين معنى التقاطبات الضديَّة ومعنى البنية ليكون نسيج التقاطبات الفضائيَّة المستنطَقة هو البنية التي تمَّ الوقوف عندها في موضوع (بنية الفضاء في الرباعيَّة).
وإلى جانب ذلك، جَهَدنْا أنفسنا في الاهتمام بالمستوى الدلاليّ، وعدم إقصائه عن اشتغالات البحث؛ إذْ لمَّا كانت البنيويَّة منهجاً لا يهتم بموضوع الدلالة، وكانت عناصر النصّ الروائيّ متضامَّةً غيرَ مفصولةٍ عن بعضها بدا الخَيَارُ نحو ربط البنية بالدلالة لازماً، فربطنا البنية بالدلالة، ووصلناها بكل مراحل المقاربة النصّيَّة.
ومع كل هذه المرونة التي اتّخذناها كان التصوّر الدقيق والرؤية الخاصة اللذيْن وضعناهما لمقاربة فضاء الرباعيَّة يُلقيان بنا في دائرة العوائق والصعوبات التي تتطلب منا أن نحاذِرَ الوقوع ضمن أي خطوة نخطوها في مزالق التلفيق والفوضى، ومن أخطرها الاقتراب من تُخوم منهج أو مناهجَ أخرى تبدو مناقِضة لما انطلقنا منه أو كانت بُغْيَتُنا فيه.
وكان لزاماً علينا ونحن نشكِّل صورة هذا البحث، ونؤسسُ لها أن ننطلق من الوقوف عند أبرز شيئين:
أولاً: محاولة ضبط مفهوم الفضاء ومفهوم البنية، والتمييز بين مصطلحيْ (الفضاء) و(المكان).
ثانياً: تحديد نمط المقاربات النقديَّة السابقة حول مقولة (الفضاء/المكان).