كتاب " أسطورة ساش " ، تأليف صالح بن إبراهيم السكاكر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب أسطورة ساش
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

أسطورة ساش
إنني خليط مركب، خليط معقد أحياناً، وسهل أحياناً أخرى! خليط من ولت وتمن من أفلاطون من سقراط وبرجسون وغوته وفريدريك نيتشه وأبقراط وابن خلدون وبلزاك وجوجول والقصيمي صديقي! خليط من كل شيء، أحاول أن أطبق تعريف الثقافة فآخذ من كل شيء شيئاً بسيطاً! أحاول أن أجعل الشيء يختلط مع الشيء الآخر، إنني خليط من الماضي البعيد جداً وخليط من ذلك الماضي القريب، وخليط من هذا الحاضر، من هذا الواقع الأليم الذي أعيشه وأعيش كل جزء منه والجرح يزداد! إنني إنسان مجروح ينزف ألماً، مجروح ليس من حبيبة تركتني وحيداً وليس من صديق خذلني، لا والله بل أنا مجروح بسبب واقع! وأبكي على واقعي وأمقت هذا المجتمع الذي هو تجسيد لهذا الواقع! وأشعر بالكره لهذا المجتمع وكثيراً ما أحتقر كل جزيئات الحياة وأحياناً أصل إلى احتقار ذاتي! إن الفلسفة والتفلسف تجعلني أبتعد بخيالي على الأقل عن هذا الواقع المؤلم المحزن، تجعلني أذهب إلى مكان بعيد جداً. وحدنا أنا وفيلسوف نجلس معاًً نتفلسف ونتناقش! أحاول أن أبتعد معه عن المجتمع، عن الأشخاص! فأنا أكره المجتمع والأشخاص الممثلين للمجتمع! أحاول أن أكون بعيداً عن الناس، أحاول أن أصنع لي خلوة وعزلة عن البشر، لأن عقلي كره البشر! أعلنها صراحة ومن غير مراء: إني أكره و أحتقر البشر! ويا حبذا الموت ومرحباً به!!
مـوت يسـير معه رحـمةٌ
خير من اليسر وطول البقاء
ما أطيب المـوت لشـرابه
إن صح للأموات وشك التقاء (7)
هذا هو أحمد صديقي، الهزيل جسداً، القصير قامةً، القوي الكبير عقلاً! المتمرد بأفكاره، يفكر ويفكر وإذا توقف عن التفكير كان التأمل هو أساس الوجود لديه! قال مرة وثلاثتنا على طاولة الطعام في الملجأ في السنوات الأولى من المرحلة الثانوية!
غدوت مريض العقل والدين فالقني
لتسمع أنباء الأمور الصحائحِ
فلا تأكلن ما أخرج الماء ظالماً
ولا تبغ قوتاً من غريض الذبائحِ
ولا تفجـعن الطير وهي غوافل
بما وضعت فالظلم شر القبائحِ (8)
نظر إليه شاهين وكان الذهول، ذهول وتعجب شاعر يملأ وجهه فقال: ماذا تقول! لكن الله سبحان تعالى أحل أكل اللحوم والأسماك وأنت يا صديقي عندما تقول كذلك فأنت تخالف مبدأً شرعياً! لو قلت مثلاً: أنا أبتعد عن أكلها للحفاظ على صحتي لكنت على حق ولم أستطع أن أجادلك ولكنك تحلل وتحرم وهذا يعني عدم الرضا والتسليم وهذا يؤدي إلى الكفر!!!
رفع أحمد رأسه وبدأ يتأملنا وكأنه يشاهد مناظر قديمة تعود إلى أزمنة غابرة قد مضى عليها الدهر وقال:
ودع ضرب النحل الذي بكرت له
كواسب من أزهار بنت فوائح (9)
كنت أريد أن أرد على فلسفته المسروقة!! ولكنه وقف وابتعد عن المائدة رافعاً رأسه وبصوت قوي قال:
ولا بيض أمات أرادت صريحة
لأطفالها دون الغواني الصرائح (10)
وبحركة سريعة وضعت يدي على كتفه والحزن، نعم حزن الصديق على صديقه وقلت له:
- ما هذا الكلام يا أحمد! ما هذه الفلسفة يا فيلسوف! أتحرم ما أحله الله! أتريد الدخول إلى نار جهنم! لن تنفعك صلاتك ولا صومك وهذه الأفكار تحتل عقلك!!
ابتعد عني قليلاً والتفت إلى شاهين ومن ثم أغمض عينيه وخفض رأسه وقال:
ما الخير صوم يذوب الصائمون له
ولا صلاة ولا صوف على الجسد
وإنما هو ترك الشر مطّرحاً
ونفضك الصدر من غلٍ ومن حسد (11)
عاد شاهين والحزن يستوطن تقاسيم وجهه وكأنه أم تشفق على طفلها قائلاً:

