كتاب " الثورة سردية وطنية " ، تأليف فؤاد خليل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب الثورة سردية وطنية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الثورة سردية وطنية
في سنوات الحرب اللاحقة، تعامل وليد جنبلاط مع الأمر الواقع وهو انتظام القوى على قواعد طائفية صافية. فعاد إلى طائفته وبنى لها حجماً محورياً في موازين القوى بين الطوائف. وقد استحقته دون شك، قياساً على دورها في الطور الثمانيني من الاقتتال الأهلي. لكن هذا الحجم لم يجد قسطاسه على الصعيد التمثيلي بفعل المعادلة التي فرضت بالطبع على الدروز تاريخياً. ولم يكن للطائف بالطبع أن يبدّل فيها أو أن يغيّر من طبيعتها. والحال، فقد تضيق الحجم الدرزي المحوري مع الطائف قياساً على ما كان عليه أثناء الحرب. ثم خُصّ بمرتبة غير محورية لا فكاك من نصابها التمثيلي الطائفي. وما بين الحجم والمرتبة، عاش وليد جنبلاط قلق التناقض بين الموقعين. فانعكس ذلك كما يرى البعض في نوع من التقلب أو التبدل في خط تحالفاته بين مرجعية طائفية من هنا، وأخرى من هناك. أما عندما حاول أن يكون الركن الرابع من أركان الترويكا في الحكم، فقد وجد أن الضرورة الكيانية للنظام، هي ضرورته وقيده في آن. إنها ضرورته لأن موقعه التمثيلي ينبني بها، وهي قيده لأن النصاب الطائفي لموقعه مخصوص بها أيضاً، ولا يمكن تجاوزه البتة.
وفي ظل صيغة جامدة كهذه، لم يجد التناقض الأصلي بين الحجم والمرتبة حلاً له، ولن يجده أبداً من داخل معادلة التمثيل الطائفي. فكان من الطبيعي أن ترتسم علاقة جنبلاط بنظام الطائف وبدولته بين حدّي الكياني والوطني، أي أن ترتسم أحياناً على خط المنافحة عن هذه الدولة، وعلى خط الاعتراض عليها في أحيان أخرى.
واستمر هذان الحدان يطبعان السلوك الجنبلاطي بعد اغتيال رفيق الحريري وفي أعقاب الانسحاب السوري من لبنان. ثم تجسّد تعايشهما الملتبس في الانتخابات النيابية التي جرت في صيف 2005. لكن عقد التعايش المذكور سرعان ما انفرط حين نعى وليد جنبلاط التحالف الرباعي وانغمس في ائتلاف طائفي بمواجهة ائتلاف طائفي آخر. فجاء انغماسه هذا، يفصح عن اتجاه جديد يحمل في منطواه انحيازاً إلى الكياني الذي لم يلبث أن تقدّم على ما عداه وبخاصة بعد الحرب الأخيرة التي وقعت في شهر تموز 2006.
إذ ذاك أخذ وليد جنبلاط يدافع بقوة عن اتفاق الطائف ويتنكب مهمة استنقاذه من خصومه ويدعو إلى بناء الدولة على أساسه، كما أخذ يمجّد الطائفية السياسية ويجد فيها الضمانة لحفظ خصوصية لبنان أو تنوعه الفريد والمتميز عن جواره العربي.
بتعبير آخر، لقد ذهب جنبلاط إلى خيار الكيانية ـ الطائفية. فاختبر بالملموس أن مثل هذا الخيار قد يكسبه دوراً محورياً في الحراك الطائفي، لكنه يحتاج لكي يترسخ أو يستمر إلى دعم أو حماية من الخارج... كما اختبر في الوقت نفسه، أن الاستقلال والسيادة يبقيان في ظل الطائفي موقوفيْن إلى حد بعيد على ذاك الدعم أو تلك الحماية. ولعل هذا ما جعل جنبلاط يستشعر ثقل القيد الكياني ويحتسب لمدى خطورته على مستقبل البلد، أي ما جعله يدخل في دائرة من التأرجح المفتوح على التصعيد حيناً وعلى التراجع القلق حيناً آخر، ما بقي يركن إلى الكياني بالذات. أما خروجه من هذه الدائرة، فلن يكون إلا بتجاوز الضرورة الكيانية الطائفية إلى ضرورة وطنية تضع موقع الدروز وحجمهم على خريطة سياسية جديدة. أو بمعنى آخر، لن يكون هناك تجاوز لقيد الضرورة الكيانية إلا بالعودة إلى الدرس التاريخي الذي صنعه كمال جنبلاط وهو: العبور من زمن المشيخة إلى تاريخ القيادة الوطنية.
ج ـ الشيعة وموقع التعادل مع الآخرين(*******)
تختزن الذاكرة الجمعية عند الشيعة صوراً شتى من الظلم الذي خبروه طويلاً على امتداد مراحل تاريخهم الاجتماعي والسياسي. ففي صورة متأخرة منه في أيام بني عثمان في نهاية القرن التاسع عشر؛ كان الشيعة غير مشمولين في نطاق التصنيف الدولتي للجماعات المعمول به أو السائد في تلك الفترة. ولقد شرّع إخراجهم من أي تصنيف رسمي، سياسة الدولة في إهمالهم والتضييق عليهم أو تحويل مناطق وجودهم إلى «معازل» هامشية أو طرفية؛ أي إلى معازل لم تدخل الدولة إليها إلا في صورة «انكشاري» وبرفقته «التحصلدار» من أجل الاستيلاء على فائضٍ من إنتاج لا يتعدى كثيراً حدود الكفاف أو أوَد العيش الطبيعي.