You are here

قراءة كتاب الثورة سردية وطنية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الثورة سردية وطنية

الثورة سردية وطنية

كتاب " الثورة سردية وطنية " ، تأليف فؤاد خليل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

ومع إعلان دولة لبنان الكبير، وهو إعلان جاء يتوج في أحد أبعاده حاجة الجبل المتصرفي إلى عاصمة وسهل؛ نشأت في الدولة الجديدة معادلة أيديولوجية لما تزل فاعلة ومؤثرة بصورة أو بأخرى إلى اليوم، وهي: في لبنان الحديث مركز وأطراف. المركز يتشكل من بيروت والجبل. والأطراف تتكون من البقاع والجنوب والشمال. أما المسافة بين طرفي المعادلة، فهي تقوم في الأصل على قواعد سياسية لا جغرافية؛ الأمر الذي صيّر الحكم بين أيدي أبناء المركز، وجعل أهل الأطراف من المحكومين. وتبعاً للثنائية هذه، بنى النظام الطائفي إحدى ركائز السياسة التي دشن عهده بها تحت مظلة الانتداب ورعايته. فكان خطها البياني العام، إهمال الأطراف وحرمانها وبخاصة الطرفين «النائيين كثيراً» عن المركز، وهما مناطق الوجود الشيعي، بلاد بعلبك وجبل عامل.

في ضوء تلك السياسة، انتظمت العلاقة بين الشيعة والنظام السياسي الناشئ في لبنان الكبير. وقد وجدت بعض تجلياتها في أن الدولة لم تخصّ مناطق هؤلاء بأي خدمات أو تقديمات حقيقية، ما خلا حضورها بالطبع في الصورة الحديثة «للجندرمة وجابي الضرائب». وفي أن التمثيل الشيعي في مؤسساتها السياسية والدستورية بقي محسوباً في إطار التوازن الشكلي بين الطوائف، ولم يتعدّاه إلى قدر من المشاركة الفعلية في إدارة شؤون البلاد...

وفي الجمهورية الأولى، تحسّن تمثيل الشيعة نسبياً. لكن طابعه الإجمالي لم يرق إلى مستوى فعّال ومؤثر في توازنات السلطة أو آليات اتخاذ القرار في الحكم. فالصيغة الميثاقية التي ارتكزت بشكل أساسي على ثنائية سنية ـ مارونية، وما انتهجته من توزيع فئوي لأنصبة الطوائف التمثيلية، لم تفرد للشيعة مواقع مفصلية أو رئيسة في مؤسسات النظام السياسية والإدارية، لكي تمدهم بالنفوذ السلطوي ذي الدور الوازن في مجرى السياسة العامة للدولة. ومن جهتها، أدّت سياسة التصنيف بين المركز والأطراف، كما سياسة الاستئثار بالمغانم والامتيازات؛ إلى تهميش «معاقل» الشيعة وحرمانها من أي تدخل تنموي مركزي.

أما عندما دخلت الدولة الشهابية إليها ببعض مظاهر التنمية؛ فلم يكن دخولها يندرج في نطاق عملية تنموية متكاملة، بقدر ما كان محاولة لم تؤت ثمارها المرجوة للحد من «المسافة الضوئية» التي تفصل واقع المركز عن الواقع العائد لتلك «المعاقل» الطرفية.

أمام ذلك كله، احتل الشيعة موقع «الامتياز» على سلّم الغبن والحرمان في دولة الاستقلال. فكان أن تحولوا موضوعياً إلى جمهور شعبي احتشد في معاقله وضواحي العاصمة، وشكّل رافداً رئيساً للعمل الوطني واليساري بأشكاله كافة...

لكن هذا التحول الذي وضع الشيعة في سياق مغاير عن نظام التمثيل الطائفي، لم يرفع عنهم الغبن، ولم يحقق لهم المشاركة المتوازنة في الحكم مع بقية الطوائف الأخرى. فكان ثمة ضرورة سياسية، وجدتها نخبة واسعة من مرجعياتهم الدينية والزمنية لإخراجهم من ذاك السياق، وإعادة بناء واقعهم بما يضمن لهم نصابهم التمثيلي الحقيقي ومشاركتهم الفعلية في مؤسسات الدولة. وهكذا، عمل الشيعة على بناء انتظامهم الطائفي المؤسسي حيث توج بتأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سنة 1967. ثم وجدوا أنفسهم في مواكبة حركة سياسية يقودها الإمام الصدر وتدعو إلى رفع الغبن والحرمان عنهم وعن المحرومين في كل لبنان.

وفي خضم التطور الذي عرفته تلك الحركة قبل الحرب وفي طورها السبعيني، أخذ الجمهور الشعبي يتفكك ويعاد تشكيله في كتلة طائفية تتحفّز للدخول إلى المشهد اللبناني من موقع جديد. ولقد جاءت دعوة أمل إلى التوازن والمشاركة في الحكم، ترسم الإطار السياسي للموقع المأمول في توازنات السلطة وتركيبة الدولة. وعلى الرغم من أن الدعوة هذه، لم تجد طريقها إلى التحقق بسبب رفض القوى المهيمنة على النظام الطائفي وقت ذاك؛ إلا أنها بقيت تحظى ليس فقط بالدعم المعهود لها، بل أيضاً بتوسع كتلتها المؤيدة وتنامي حجمها ودورها في مجرى الحرب.

حينذاك، صنع الشيعة موقعهم الجديد، أي موقعاً رئيساً في نطاق المعادلات أو التوازنات القائمة بين القوى. ثم أفادوا بما سمي بالصحوة الإسلامية في المنطقة في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران. فأسسوا في المنتصف الأول من الثمانينيات حركة سياسية جديدة هي حزب اللَّه؛ ما شكل وزناً إضافياً إلى دورهم الإجمالي، وبخاصة أن الحزب أخذ على عاتقه مهمة جهادية أولى هي مقاومة الاحتلال الإسرائيلي...

في ضوء ذلك، دخل الشيعة طوراً من الصعود السياسي المضطّرد. وقد شارك في بنائه على نحو أساسي الثنائي الحزبي أمل وحزب اللَّه، كلٌّ من موقعه وبدعم إقليمي من سوريا وإيران. فحركة أمل انخرطت في الحرب على أكثر من جبهة، وحظيت بدعم سوري استثنائي بحيث تحولت إلى قوة حيوية فائقة النشاط في الصراع الأهلي، وذات وزن كبير بين أطرافه. وحزب اللَّه انخرط في الجهاد بدعم سوري وإيراني مشترك، وكان يواصل تشكّله السياسي في ظل دينامية مكثفة حققت له توسعاً وانتشاراً غير مسبوقين على ساحة عمله.

ومع تينك الحيوية والدينامية كان الصعود السياسي الشيعي يجد ترجمته، بعد أن تجاوز عقباته الداخلية في نهاية الثمانينات وفي مطلع التسعينيات، في مشروع ذي مرتكزين رئيسين: المشاركة في مؤسسات الدولة، وهي مهمة تمثيلية أسندت بالدرجة الأولى إلى حركة أمل. ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهي مهمة نضالية أوكلت في المقام الأول إلى حزب اللَّه. وهذا ما استقر عليه واقع الحال في مرحلة الطائف. فلقد أمسكت أمل بملف التمثيل الشيعي، وحققت مشاركة فعالة في السلطة جاءت تمثل بشكل أو بآخر، تعويضاً عن الحرمان الذي لحق بالشيعة تاريخياً. ثم تحولت بشخص رئيسها وبرعاية سورية خاصة، إلى ركن محوري من أركان الترويكا في الحكم، الأمر الذي وضع الطائفة الشيعية لعقد من الزمن، في موقع متقدّم على خارطة موازين القوى بين الطوائف اللبنانية.

Pages