كتاب " الدعاية والإتصال الجماهيري عبر التاريخ " ، تأليف د. برهان شاوي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب الدعاية والإتصال الجماهيري عبر التاريخ
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الدعاية والإتصال الجماهيري عبر التاريخ
بـرهان توضيح
راودتني فكـرة تأليف هذا الكتاب حينما كنتُ أطـالع كتاب قصف العقول، الدعاية للحرب منذ العالم القديم حتى العصر النووي ، ترجمة سامي خشبة، إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد 256، نيسان، 2000 لمؤلفه فيليب تايلور، أستاذ التاريخ الدولي الحديث في جامعة ليدز البريطانية منذ العام 1978. حيث يتألف الكتاب من خمسة أقسام هي على التوالي: الدعاية للحرب في العالم القديم، الدعاية للحرب في العصور الوسطى، الدعاية للحرب في عصر البارود والمطبعة، الدعاية في عصر الأعمال الحربية الثورية، الدعاية في عصر الحرب الشاملة.
ورغم أن الكتاب يتألف من 406 صفحات فإنه يكرس لحضارة وادي الرافدين ست صفحات فقط. وفيما يخص الحضارة الفرعونية، والحضارات الإيرانية والهندية والصينية، والحضارة العربية الإسلامية فلا كلمة تذكر وكأنها خارج التاريخ الحضاري للبشرية. وربما، لولا أنّ اكتشاف الكتابة تم في بلاد وادي الرافدين، ولا يمكن تجاهل ذلك، لما تفضل بالتوقف عند الدعاية في بلاد الرافدين من خلال ست صفحات. وعلى الرغم من أنه يتوقف عند الدعاية اليونانية والرومانية خلال حروبهم مع الفرس، إلا أنه لم يتوقف عند الطرف المقابل الذي كان يقود دعاية مضادة بالتأكيد.
هذا الانحياز الواضح للحضارة الغربية، أثار حفيظتي الأكاديمية بالبحث في تاريخ الدعاية والاتصال الجماهيري عبر تاريخنا الشرقي، متوقفاً بشيء من التفصيل عند حضارات الشرقين: الأوسط والأدنى. وقد أردتُ في هذا الجزء من الكتاب دراسة حضارات الشرق حتى ظهور الإسلام، حيث سيضم هذا الكتاب مباحث حول حضارة وادي الرافدين، منذ فجر التاريخ حتى ظهور الإسلام، وحضارة الفراعنة حتى مجيء الرومان، والحضارة الإيرانية القديمة حتى سقوط الدولة الساسانية، وكذلك عند الحضارة الهندية والصينية، وكذا الأمر في الجزيرة العربية منذ الجاهلية وحتى ظهور الدعوة الإسلامية.
تاريخ الدعاية هو تاريخ الحرب، بل أن التاريخ البشري نفسه يكاد أن يكون هو تاريخ للدعاية والدعاية المضادة. وإن البناء الحضاري للبشرية هو تاريخ للاتصال الجماهيري. فكل تاريخ الأديان، السماوية والوضعية، هو تاريخ للدعاية والاتصال الجماهيري، وكل تاريخ الإمبراطوريات البشرية، وتاريخ التطور الاجتماعي والتقني، والفكري للإنسانية لم يتم إلا من خلال الاتصال الجماهيري. كما لا يمكن تطبيق القوانين بدون وسائل اتصال، ولا يمكن نشر الثقافة، أو الأيديولوجيات القومية أو السياسية، ولا الترويج للبضائع والتجارة، ولا إقامة العلاقات الدولية، ولا نشر الآداب والفنون إلا عبر وسائل للاتصال الجماهيري.
الكتاب لا ينحصر في تطبيقات جافة بربط الوقائع والأحداث التاريخية والمدونات والوثائق بالنظريات الإعلامية، وإنما هو كتاب تاريخي ومعرفي تأويلي يحاول أن يستعرض تطور آداب وقوانين وديانات ولغات الشعوب والحضارات القديمة، ليجد فيها ملامح الدعاية والاتصال الجماهيري للبشر في تلك العصور الغابرة، وليؤكد بأن الصراع الحضاري بين الشعوب، أو حتى الصراع داخل الحضارة الواحدة لا يمكن تصوره بدون ارتباطه بآليات الدعاية ووسائل الاتصال لنقل رسائل القوى المتصارعة.
إن التوقف عند تطور الكتابة واللغات عند الشعوب القديمة، وتفصيل بعض الديانات القديمة، هو في الجوهر توقف عند أهم مكونات العملية الإعلامية من رسالة ومرسل ووسيلة ومتلقٍ، كما أن التوقف عند تطور القوانين والشرائع والسلالات الحاكمة والصراع على الحكم أو الحروب بين الشعوب وتوسع الإمبراطوريات هو في الجوهر توقف عند الدعاية بكل أشكالها إلى جانب كونه تلمساً لأشكال الإعلام الدولي، مثلما يعني التوقف عند الدبلوماسية وأشكال المراسيم والرسائل بين الملوك والقادة وعلاقة الملوك بشعوبهم هو توقف عند آليات العلاقات العامة. لذلك سيلاحظ القارئ استطراداً في تاريخ الشعوب وقوانينها ودياناتها وسلالاتها وآدابها وذلك لتحقيق غرضنا أعلاه.
أتمنى أن أكون قد أسديت خدمة للعلم في هذا الجهد المتواضع، وأن أكون قد فتحت باباً أمام الآخرين كي يتوسعوا فيه. وأن أكون قد قدمت شيئاً من دين الحضارة الشرقية، والإنسانية عليّ.
بُرهان شاويبغداد 2009