قراءة كتاب من سرق الطماطة أيها الوطن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
من سرق الطمامة أيها الوطن

من سرق الطماطة أيها الوطن

في ذلك الزمن كان أول الغائبين هو الزمن.. وكأننا لو ذكرنا تاريخ تلك الحوادث، فإننا سوف نزوّرها، كان فعلا فالتاً من الزمن، والزمن كان خائناً للحدث. فكأن عملية التأريخ هي عملية تزوير مهما حاولنا تأريخها..

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

كنتُ مُجهداً من التعب مثل ديك قضى عمره في تعليم الثعلب أن يكون صديقه المعين في حراسة مزرعة الدجاج.
ها هو الديك خائر القوى بعد أن أكل الثعلب جميع دجاجاته.
وما هو مثير للغضب أنَّ الثعلب بات يدعي الثقافة وحب الوطن، وأنه بالتحديد «من ضحايا النظام السياسي السابق»، لذا لم يكن التهامه للدجاج على حين غرة، إلا من أجل الوطن ووفاء للصداقة، أو هو مجرد استرداد حق من حقوقه حاله حال بقية المنتمين لأحزاب المعارضة العراقية، حيث لكل منهم راتب كبير أو أكثر من مرتب حتى.
مسكين هو الديك الذي ضاعت صحته هباء بإيقاظه سكان المدينة كل صباح.. وها هي المدينة تسرق منه حتى ضوء الشمس!
في غمرة هذا التعب كنتُ أضمّد بعض جراحاتي الجديدة بفتح ضمادات جروح قديمة، فأعدت الاتصال بصديق دمشق.. ومن جديد وقفنا على مقولة المجــــــنون نيتشه:
«إلا أنهم اخترعوا لاهوتاً لم يعد يتبع القلب».
قلتُ له وسماعة الهاتف تحملني أكثر من حملي إياها:
ــــــ أنا عندي المصيبة أكبر.. في زمن صدام حسين، كان كل شيء في العراق ضد العقل، لكن بقي حنان الوطن مخبأ. الآن المعارضة اخترعت وطناً لم يعد يتبع القلب وتحير به الروح.
ثم، بالله عليك، تعال انظر الى سخرية القدر بالجروح حيث أخذ الاعلام العروبي يسمي الارهاب مقاومة.. فيا أصحابي هذه أمة بلا قلب لذا تشوهت لديها القيم.
جاء صوته عبر أثير المسافات، مخنوقاً ومتيبّساً، مثل صحراء مدينة الزبير التي سُرق ماء شطّها منذ زمن بعيد...
مثل ربابة البدوي الأخير التي لا يعزف أحد على وترها سوى الريح:
ــــــ «غبية هي الأسئلة في التاريخ، سواء أمام الأنبياء قبل موتهم، أو بين العشاق قبل فراقهم.. أنا مثلك حائر بهذا العراق.. جميع الذين تم نفيهم وتشردهم يسأل اليوم اين العراق.. أين صار الوطن؟!».
ــــــ أنا كل يوم اشتري خريطة من المكتبة أبحث عن موقع الوطن فلا أجده.. هل علم الجغرافيا تابع للقلب هو الآخر؟!
ــــــ «مشكلتك يا آخر المعتزلة وأول القتلى، أنك لا ترضى أن تعترف بخيانة الأصدقاء لك.
صدقني يا صاح: هم باعونا كما باعوا الوطن من أجل لا شيء، هؤلاء وإن بدوا فقراء إلا أنهم جزء من الطبقة الارستقراطية بنيةً وعقلاً ووجداناً.. هذا فوق العقل، لذا لا يستطيع المعتزلة أن يصدقوه».
تحسّرت وداهمني صمت قصير ثم انتبهتُ إلى سماعة الهاتف فأكملت شريطاً لا أعرف من أين بدأ:
ــــــ صدقني حاولتُ مراراً التخلّص من وهج الروح لكني لم أستطع.. النار لا تنطفىء الا بعد اكتمال الحريق.
لقد أدركتُ الآن بعد تلك المسافات الموحشة أنَّ العشاق لا مكان لهم في هذا العالم، لذا ستكون منفياً الى الأبد.
سمعتُ ضحكة جــــــبران المثقلة بالوحدة، وتوهم شكل النهايات وما بها من تحولات مبهمة:
ــــــ «لقد قلتُ إنَّ الأسئلة غبية وها أنا أتعمد السؤال:
يبدو أن هنالك حبّاً جديداً أتعبك، فأنت لا تكتب إذا لم تعشق».

Pages