قراءة كتاب من سرق الطماطة أيها الوطن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
من سرق الطمامة أيها الوطن

من سرق الطماطة أيها الوطن

في ذلك الزمن كان أول الغائبين هو الزمن.. وكأننا لو ذكرنا تاريخ تلك الحوادث، فإننا سوف نزوّرها، كان فعلا فالتاً من الزمن، والزمن كان خائناً للحدث. فكأن عملية التأريخ هي عملية تزوير مهما حاولنا تأريخها..

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

فرويد وزهرة بين المقابر

إنه موقف يدعو للتأمل الطويل ذلك الذي صنعه فرويد، إزاء «الأيروس». فهو قد جعل من الحب مرضاً. فرويد نظر الى خروج رجل أو امرأة من تجربة حب خاسرة، وهنا بالتأكيد تصل النتيجة الى مجموعة ردود أفعال تحاول أن تخدع الذات وتغطي خيبتها.
لكن هل الحب هو المرض هنا أم أنَّ الخيبة والحرمان منه، هما اللذان تولد منهما الحالات والاضطرابات المرضية؟!
هل كان فرويد شخصاً لم يعرف الحب فأخذته الغيرة من العشاق فصاغ تلك المقولة البائسة، أم أن فرويد كان يحاول الخروج من تجربة حب موجعة؟!
كم هو غريب هذا الإنسان، فهو مستعد أن يتسبب لجسده ولروحه بإصابات وأمراض عدة في سبيل اخفاء رغباته الحقيقية.
تلك الرغبات التي ليس من الصحيح أن نجعلها فوق العقل وإنما أن نجعلها صديقة له، لكننا نحاول نسيان أنَّ هذه الرغبات هي جزء من الطبيعة وطينتها الأولى، حيث يكون كل حديث عنها ضرباً من الثرثرة، حتى لو كان هذا الحديث نظرية علمية شهيرة لشخصية عملاقة الاسم.
لقد وصف جان جاك روسو الأمر بدقة:
إنّ قلبي الحساس كان مصدر بلائي كله.
نعم حاولتُ مراراً الخروج من مملكة الحب، كطفل خطر على باله أن يهرب خارج أسوار المدينة المسحورة.
لعل الأمر جاء في تلك المرات نتيجة الرهبة من السوط والجلد الاجتماعي حيث كثير ما يقال عن شخص بمثل حالتي بأنه شخص أو رجل همّه النساء أو «نسونجي» حسب تعبير بطة عراقية مغناجة شرسة.
تلك البطة التي لم أعرف مثلها هي بركان من الغيرة تتفجر حممه تفجراً.
بطة كان قدرها أو قد كان قدري الأبدي، أن نلتقي من جديد كلما افترقنا، وكأن قيد العاطفة يأبى الفصام.
هي كانت بطة نار تأبى أن تتحول الى رماد، تعرفتُ إليها في زمن التحول المرّ، بل الأكثر مرارة.
كانت تريد مني أن أصنع قيامتها الثانية، بعد أن غدر بها شخص سخيف، ليس من المصادقة أن يكون أحد الناشطين في الدين وجهاد المعارضة العراقية ذات يوم، شخص يقارب عمر أبيها، استغل براءتها أبشع استغلال، وكان مثل شريحة واسعة من أدعياء الثقافة، يُزوّقون ضعفهم أمام نزواتهم بأنّ الأمر: «إحساس. هل أنت ضد الاحساس؟!».
وكأن الإنسان غريزة فقط، وأن لا شيء يُدعى «المسؤولية».. المسؤولية التي بها نعرف مقدار ما حققه الإنسان من إنسانيته، وذلك هو الامتحان الصعب حقاً.
مسكينة هذه البطة الحنون، وجدتني سوراً يلتف حول نفسه بلا نهاية. كنتُ متكوراً على عواطفي الجريحة مثل قنفذ طوى نفسه فلم يعد يظهر منه سوى أشواكه الموجعة البارزة.
حدثتها عن الصداقة كثيراً، لكنها أبت وبشدة.
كنتُ أعتقد، وحتى وقت قريب، أنَّ الشبان وحدهم يصعب عليهم مصادقة الفتاة بدون أن يكون الكلام حبالاً توصل الى الفراش، فينكشف أنه حتى الكلام عن الإنسان والإنسانية والثقافة وأمور الحياة، محض فخ.. محض مصيدة.
أخذتُ أثرثر بعبث حركات ما قبل الزهقة الأخيرة للمشنوق، محدّثاً إياها عن علاقة الإنسان بالإنسان، وأنَّ هناك علاقات مختلفة، بل هناك أسمى من علاقة الإنسان، وهي علاقة الإنسان بالوجود ذاته كما هو هو.
.. شرحتُ.. وضّحتُ.. أكثرتُ للبطة العراقية الأمثال.. لكنها بكت، فطفحت كلماتي الباردة، بنهر من الدموع الساخنة.
ــــــ «لماذا.. هل لكون هذه الاسترالية التي تحتل صورتها هاتفك الجوال، أحلى مني.. قل.. لا تصمت هكذا.. قل.. تكلم».
حاولتُ وأنا مجهد بكهربة العواطف، أن أوضح لها أنَّ كونها عراقية، يجعلها عزيزة عندي أكثر من سواها في هذه الغربة.. جميع النساء وطن، لكنكِ أيتها العزيزة ذات الوطن.. أنتِ الوطن الأول.

Pages