في ذلك الزمن كان أول الغائبين هو الزمن.. وكأننا لو ذكرنا تاريخ تلك الحوادث، فإننا سوف نزوّرها، كان فعلا فالتاً من الزمن، والزمن كان خائناً للحدث. فكأن عملية التأريخ هي عملية تزوير مهما حاولنا تأريخها..
قراءة كتاب من سرق الطماطة أيها الوطن
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ما بالك يائس هكذا هذه المرة، صدقني يا صاحبي لا يوجد شيء آخر سوى الأسطورة».
ــــــ جميل أن تكون قانعاً بشيء.. خصوصاً المكان.. السخط على المكان هو بؤرة للكثير من المشاكل في بلداننا، هناك سخط على القدر الذي أوجدهم في هذه البلدان، حتى ليسأل المرء:
أين هو الحد الفاصل بين الحقيقة والخرافة؟!
ــــــ «الكثير من الأشياء الجميلة يعترضها القدر على خلاف جمالها، ليفرض مأساة وظلماً يحمل لون الخبث.. وعن هذا كان قلق الذات ومفهومه، قلق لا يمكن تهمة الوجوديين به، شئنا أم أبينا، فهو يلوح للجميع، قساوسة كانوا أم رعاة.. عليك يا صاحبي أن تخفف من غلواء عواطفك، فحتى البصرة التي لا تريد نسيانها وكتبتَ حولها مجموعة شعرية وأخرى قصصية، ذهبت وذابت بطوفان الاطماع الجديدة.
قل لي ماذا سنفعل إزاء الانتخابات العراقية القادمة. هي أول انتخابات ديموقراطية ليس في العراق وإنما في تاريخ الشرق بأكمله. هل تصدق أننا بتنا شهداء على التاريخ؟!».
ــــــ نحن طرائد التاريخ لا نزال في مرحلة الصراع العقائدي يا صاحبي، ليس هناك صراع سياسي، نحن لا نزال في مرحلة الأسطورة، لذا الجميع يبحث عن «ابطال ينتخبهم».. هذا يفكر بأياد علاوي، بطل القضاء على الارهاب في مدينة الفلوجة، وذاك يريد انتخاب عبد العزيز الحكيم لكونه بطل القضاء على أخاديد الارهاب في الجنوب، وذاك ينتخب أحباء هيئة علماء السنة، أبطال القضاء على الشيعة، العدو التاريخي للطبقة التاريخية الحاكمة.. لا تزال المسافة بعيدة بيننا وبين المجتمع المدني.. إنها بعيدة بُعد ميناء البصرة عن الفرح.
ــــــ «أي قدر إذن هذا الذي جعلنا نخسر الحكومة والمعارضة معاً؟!
لو شاهدت البصرة اليوم لانتحرت. فالبصرة اليوم ليست سوى حسينية وهيئة دينية بشكل علني، وشعاب لتهريب المخدرات والنفط سراً».
لم أستطع أن اعترف بهذا الضياع..
لم استطع تخيّل أن يتم اغتيال الزبير مرتين..
أن تتكرر معركة الجمل.
.. لم أستطع الانصياع لحقيقة موت شط العرب من العطش.
لم أستطع الاقرار أن تذوب البصرة بهوس الخرافة..
لم أستطع الاعتراف أن يتحول العراق الى سراب نطارده بلهاث العطشى.
لم أستطع أن أتلقى سماع فقدان البصرة، لهذا الشيء الوحيد الذي بقي في داخلي.
لن أرضى أن أكنس وطني مع أوراق الخريف.. لن أرضى.
تذكرت عبارة تلك المجلة النسائية:
لا تفوّتي فرصة تحدّي نصوص المكياج والاستمتاع بألوانه الجريئة.
تذكرتُ عناد تلك البطة العراقية وصبرها إزاء تحمل كافة أنواع المراقبة والعقاب وايذاء أبويها لها بالضرب والكيّ، من أجل مملكة الروح والقلب.
تصلّبت جميع شراييني وصرختُ مع نفسي:
لن تضيع البصرة مرة أخرى.. لن تضيع البصرة..
خرجــــــتُ الى محطة قطار الانتظار.. انتظار الشغف واللوعة والأسئلة الذبيحة، فلم أجد سوى الريح تصرخ في وجه القطارات القديمة والجديدة، حيث الصدى يزعق بالنشيد:
لن تضيع البصرة مرة أخرى.. لن تضيع البصرة..