في ذلك الزمن كان أول الغائبين هو الزمن.. وكأننا لو ذكرنا تاريخ تلك الحوادث، فإننا سوف نزوّرها، كان فعلا فالتاً من الزمن، والزمن كان خائناً للحدث. فكأن عملية التأريخ هي عملية تزوير مهما حاولنا تأريخها..
قراءة كتاب من سرق الطماطة أيها الوطن
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
حاشى الأنبياء والأئمة والقديسين الذين جاءوا لحماية إنسانية الإنسان، أن يأمروا الإنسان بقتل نفسه أو إيذائها وتشويه الخلقة التي خلق اللَّه الإنسان عليها.
حاشى أن يكون هذا هو اللَّه فعلاً.. هذا النوع من الأرباب هو رب هذه العقول العاطلة لا غير.
هؤلاء مرضى فيصورون اللَّه مريضاً مثلهم..
هؤلاء يفشون عقدهم وعطالتهم وسطحيتهم بالتطبير على الحسين بن علي، أو تقتيل الأبرياء بحجة كونهم روافض أو مسيحيين.
الحسين لم يرض لأصحابه أن يقتلوا ورخَّص لهم بالرحيل حقناً للدماء، فكيف بمن سيتبعه بعد ألف عام.
النبي كان ينهى عن التمثيل ولو بالكلب العقور.. فكيف نحن نمثل بأنفسنا أحياءً بتهشيم الرؤوس والأجساد؟!
إنَّ سكوت الفقهاء هو دليل جبنهم وخيانتهم لوظيفة الفقه والعلم. والا فهل توجد رواية (ولو ضعيفة) أنَّ أحد الأئمة لطم (فضلاً عن أن يكون قد مارس التطبير) أو أنَّ أحد الفقهاء الأربعة شحذوا السيوف والخناجر ضد عابري السبيل؟!
فالصحابة والأئمة حثّوا على مجالس ذكرهم، وليس مجالس التطبير واللطم عليهم. أما قاعدة «كيفما تكونوا يولَّ عليكم»، فإنها ليست أمراً سياسياً. بل إنها قاعدة شاملة.. فالأمة إذا جنت، فذلك لأنَّ فقهاءها وعلماءها قد جنّوا أولاً.
لا أزال الآن أذكر كيف خرج الشيخان الكبيران آيتا اللَّه العظمى الخراساني والتبريزي، حافيين بمناسبة قتل المحسن ابن علي بن طالب، مع أنهم لم يفعلوا ذلك حتى في يوم عاشوراء.. أي أن الأمر هو على عناد محمد حسين فضل اللَّه الفقيه اللبناني المعروف. وهذا الأمر سوف يتكرر من قبل بعض مشايخ الوهابية في تحريضهم الشباب لقتل المدنيين في العراق.
هل نحن أمام مراجع دين أم أمام عركة أطفال؟!
من الغريب أننا نكيل الشتائم والتسخيف للمجتمع ونترك الكلام على المسؤولين والعلماء والنخبة فيه.
أن يكون الشارع متخلفاً وكذلك الجمهور فهذه ليست هي المصيبة الأخيرة. المصيبة الأولى اذا كان التخلف هو داء النخبة والعلماء أنفسهم.
فالأمة لا تنحرف وتتدهور حالتها ما لم تنحرف نخبتها وعلماؤها ومسؤولوها أولاً.
المؤسسة الدينية (شيعية كانت أم سنية.. إسلامية أم مسيحية أم صائبية أم.. الخ) باتت محجراً عقلياً جماعياً.. لذا ترى أنه بعد كل حملة اصلاح، ودعاوى تطوير المرجعية، وجعلها رشيدة كي تكون على مستوى مواكبة العصر، وغير ذلك من ادعاءات.. تعود الأمور قهقهرى الى الوراء مئات السنين الضوئية!!
نحن لغاية اليوم نغطي مقولة محمد باقر الصدر بأنَّ «الحوزة فشلت في قعر دارها» وأنها أمة ماتت. وهو أمر سبق أن طرحه الشيخ المظفر عملياً فحاول استبدالها بمؤسسة أخرى. لكن الذي اعتاد المخدرات لا يجد راحته في غير جرعة اضافية منها، وهكذا الى أن يموت. أولم يقل الامام بن حنبل: بيننا وبينكم الجنائز؟!
* * *
كان استاذنا في مادة «شرائع الإسلام»، وهو واحد من كتب الفقيه العراقي المعروف باسم: المحقق المحلي، رجلاً خلوقاً، ذا صفات جميلة (سيكون صاحب مجلة علمانية متطرفة فيما بعد!)، وصاحب محاسن عديدة، بيد أنه كان ضعيفاً جداً (حين ذاك) في تدريس هذه المادة العلمية المسماة بالشرائع، وهي صفة غالبية المدرسين في حوزات حزب الدعوة الإسلامية. وهو أمر سيستتبع الكثير من الاحراجات مع شخصيات لها معرفة شخصية بي، مثل شيخ اسمه فاضل الأحول، الذي كان على علاقة وطيدة مع المرجع والفقيه المشهور لأهل دول الخليج «الشيرازي»، اذ كان هذا الاستاذ الأحول، يأخذ الأموال من هذا الفقيه لطباعة كتب تكرر كتباً سالفة بشكل فجّ ومملّ.
لقد كان الطالب في أغلب الأحيان أفضل من أستاذه في استيعاب تلك النصوص القديمة. أضف الى ذلك أنَّ الحوزة ليس لديها أي فهم لمسألة أن فهم المادة شيء، بينما تدريسها هو شيء آخر، فكم من مستوعب للدرس لا يستطيع شرحه ونقله الى الآخرين.. لكن مع من تتكلم وأنت في بيوت مستأجرة، لاتفهم من معنى «مدرسة» غير الاسم فقط؟!.
في ساحة المدرسة (أو قل في ذلك البيت المستأجر) علقت قصاصات ورق لمقولات الخامنائي. لكن في الوقت الذي كانت فيه الحوزات والمدارس الأخرى تقوم بنشر مقولات الخامنائي في اللاهوت والأخلاق (وهذا كلام ببغائي يردده الخامنائي لأحاديث الخميني)، فأن حزب الدعوة الإسلامية كان يحرص على نشر مقولات الخامنائي السياسية، لأنَّ حزب الدعوة ومؤيديه كانوا يؤولون كل شيء وكل ما يواجههم من نصوص دينية وتاريخ إسلامي بعدسات السياسة، وكأن الإسلام ليس ديناً للعبادة والتقوى بالدرجة الأساس.