You are here

قراءة كتاب التفاحة النهرية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التفاحة النهرية

التفاحة النهرية

التفاحة النهرية، مجموعة قصصية للكاتب الفلسطيني محمد نفاع، الصادرة عن دار راية للنشر والتوزيع- حيفا، تحمل في طياتها ذكريات طفولة الكاتب من حياة القرويين مؤكدا ان مأساة الترحيل والطرد من البلاد وآلاف المواطنين يمرون من وسط بلده بيت جن في طريقهم الى لبنان ما ز

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
الجرمق
 
ما نطيع اللي يجينا بالعناد ما تعوّدنا على بوس الأيادي
 
الوعرُ السنديانيّ المُتجهّم المُهيب يحتضنُ كلمات النشيد اللاهثة المُتدفّقة من الحناجر الجافّة المُضرّجة بالغضب. ورسمَ الغبارُ على جانبيّ الطريق الترابيّ دربا موشّحاً مقطّعاً كدربِ التبانات. وتكلّل الأفقُ الغربيّ في هذا اليوم التموزيّ الثقيل بحومات من غيم مُتعرّج بعيد صعب المنال.وفي الجو عذوبة وطراوة. على هذا الجبل الأشوَس المُطلّ على الكون بوقار راحت الطيورُ تتوغلُ في الأحراش وتُطلق ترنيمها المألوف وأغنيات الوداع قبل المبيت. وعلى مد النظر تطل البيوتُ المشدودة على التلال وصدور الجبال ترشق المكان بنظرات جانبية عطوفةٍ آمرة.
 
الزوال يحبو ويكسو الوعر والفجاج بغلالة سوداء، فقط حواف الغيوم البعيدة ظلّت تلمعُ قبالة الشمس الغاربة بلونٍ لهبيّ ناريّ سحيق.
 
لعالم الليل رهبة مُذهلة شعثاء، طيورٌ غير مرئية تحوم وتطلق صيحات حادة مبتورة. وبومٌ ينعقُ بعيداً بصوتٍ أجوف صافر له صدى متدحرج عميق، والخفاش يدور بطلعات قصيرة رخوة ، والصرصار يسقسقُ بنبرات رتيبةٍ خادشة.
 
تجهّمت الأودية والخلّات، واليراعُ وسراج الليل يشعُ بأنس وحبور. وارتشت صفحة السماء بنجوم غائرة عبر أصقاع لا نهائية جوفاء في الظلام الكبير.
 
_ إدملوا المسامير في الطريق وعاودوا . قال أحدهم لمجموعة من الشبان، وغابت الكلمات في جوف الليل الرهيب.
 
بعد نصف ساعة عادوا يلغطون بهمس، وخطواتهم ترنّ على حجارة الدرب بحذر.
 
تعبّأ الوعر بعشرات قليلة من الرجال بعد القول الفصل:
 
_ " النسوان تروّح، ولا واحدة تبقى هون" !!
 
روحت النساء الى البلد. رأينَ في طلب الرجال احتراماً لهنّ وحماية محبّبة مطمئنة فغادرن بتودد. وظلّت تُسمعُ أصوات تكسّر الأغصان اليابسة وتهيئة الأمكنة لقضاء الليل في قلب الوعر الأسود البارد، فعلى بعد مئات الأمتار وفي حجرة وحيدة وعتيقة يقع مقرهم، مقر المعتدين المتربصين بالأرض والطبيعة وحماتهم وكلابهم. وعلى الطريق الوعريّ أقيمَ في وجوههم حاجلزٌ صخريّ منيع.
 
خيّم السكونُ عدا ضحكات مخنوقةٍ وهمسات في هذه الحومة من الشباب أو تلك.
 
_ "بلاش دخان يا شباب!"
 
إلا أن اللفافات ظلّت تومض في أعماقِ الوعر. البلد بعيدة، تُقابل المكانَ بأنوارها من كل الجهات والحارات والمواقع، كلها تتطلّع بثقة وأمل.
 
_ "البلد كبرت" !
 
نسمات باردة تمسح الوجه وتنمّشه بنعومة. راح البعض يغط في في نوم عميق بعد تعب النهار، وتُسمع ضربات خافتة على الوجوه تطارد البرغش.
 
هذه المواقع لها أسماء وكيان وأيام، لكل منها سحنته وشكله وحجمه. أبو حجر، جباب القصب، الدرجة، الربيعة، جرانة العصافير، خلّة القاضي، جبل عين الشعير، الملعقة، خلة البير..
 
أخذتُ مكاني وحيداً منفرداً تحت شجرة سنديان مهيفة، أنصت بنهم إلى عالم الليل المجهول، السكون ثقيل له وهرة، ومن الجبال المقابلة تقطعُ الصمت أصوات غريبة لوحوش البرية تهيم في كونها الغامض.

Pages