قراءة كتاب العرب خارج عروبتهم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العرب خارج عروبتهم

العرب خارج عروبتهم

كتاب " العرب خارج عروبتهم " ، تأليف طلال سلمان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

تدريجياً، صار مجلس التعاون الخليجي، الذي بقي لسنوات طويلة مجرد إطار شكلي لتقارب بلا أفق بين أطرافه، مؤسسة خطيرة، لها تحالفاتها مع أقوى قوة في العالم، وتملك امكانات هائلة تيسر لها شراء أساطيل من الطائرات الحربية والمدنية التي لن تحتاجها، ولكنها تحمي استمرار تدفق النفط إلى دول الغرب، وتدفق عائداته إلى الخزانة الاميركية حيث تتوه عن طريق الخروج عائدة إلى أصحابها في الجزيرة والخليج.

وعندما تفجر غضب الشعوب العربية في وجه أنظمة القمع التي حكمته دهوراً صار مجلس التعاون الخليجي، بقدرة قادر، حاضنة «الربيع العربي»، والمروج للثورات وقائد الحملة السياسية، ومن ثم العسكرية، ضد بعض تلك الأنظمة التي لم تستوعب - بالسرعة اللازمة - الدور الجديد المكلف به الأمراء والمشايخ الذين منحوا دوراً في الشؤون العربية في عواصم القرار الكوني، خصوصاً إنهم مستعدون لأن يلعبوا دور القناع أو دور الممهد وبالطبع دور الممول، أو حتى دور المزود بالسلاح، كما دلت التجربة في ليبيا علناً، وكما تدل الوقائع الميدانية في سوريا، وإن بطريقة مموهة، لاختلاف الظروف.

لقد سقطت جامعة الدول العربية بالضربة القاضية... فالدول المؤسسة مشغولة بأوضاعها الداخلية: مصر تبحث عن طريقها إلى الدولة القوية والمنيعة بعد الثورة الشعبية الرائعة التي صودرت قبل أن تبلغ غايتها، والعراق متروك لمخاطر الحرب الأهلية والتمزق بين «مكوناته» الطائفية والعرقية والإثنية، وسوريا متروكة لمصيرها في ظل انشقاق خطير بين السلطة والمجتمع ينذر بالأسوأ.. حتى أن رئيسها بشار الأسد اخذ يتحدث، مؤخراً وبعد طول مكابرة، عن خطر التقسيم الذي يتهدد هذه الدولة التي كان لها دور متميز ومؤثر في خدمة القضايا العربية جميعاً، وفي الطليعة منها قضية فلسطين.

وتبقى اليمن التي رفض أهل الثروة من أركان مجلس التعاون الخليجي ضمها بملايين الفقراء إلى هذا التكتل المذهب.. وواضح أن هذه الدولة التي أعادتها إلى الحياة الثورة، ثم أجبرت الإرادة الشعبية قياداتها في شمال البلاد كما في جنوبها على التقدم نحو الوحدة، تبدو الآن مهددة في وجودها وليس في وحدة كيانها السياسي فحسب.

ولقد دأب مجلس التعاون الخليجي على رفض انضمام هذه الدولة الفقيرة إلى نادي أغنيائه متذرعاً بحجج واهية، لكن الحقيقة أنه لا يريد إشراك ملايين الفقراء من أبنائها الذين أسهموا إسهاماً عظيماً في بناء حواضره وفي إنعاش اقتصاده وفي نعيم رخائه.

بالمقابل فإن مجلس التعاون الخليجي قد دفع ببعض من قواته المسلحة إلى دخول البحرين لمواجهة الانتفاضة الشعبية السلمية فيها التي لا تطالب إلا بحق المواطنة لأهلها وهم - للمناسبة - من السباقين إلى طلب العلم بل والى التفوق فيه، وكانوا دائماً الطليعة المثقفة والواعية من بين أبناء تلك المنطقة، ولم يعرفوا الطائفية إلا حين قرر النظام - ومن خلفه مجلس التعاون - استخدام هذا السلاح القذر لاتهام شباب الحركة الوطنية في البحرين بأنهم «عملاء» للإيرانيين، أو بأنهم «مذهبيون» يسعون إلى الفتنة بين السنة والشيعة.

أين تصير قضية فلسطين وماذا سيصيبها بعد الإعلان عن وفاة جامعة الدول العربية وانطفاء دورها؟

بين سخريات القدر أن المهمات الأخيرة التي سخر للقيام بها مجلس الجامعة بقيادة الشيخ القطري حمد بن جاسم آل خليفة، إنما تمت بعدما تنازلت فلسطين عن رئاسة الدورة لهذا الشيخ متعدد المواهب، الذي يتحلى بروح رياضية عالية، تمكنه من إنشاء علاقات حميمة مع بعض القادة الإسرائيليين، وهو كان من تولى الاتصالات الرسمية الأولى مع إسرائيل، برعاية مباشرة من واشنطن، والتي انتهت إلى إقامة مكتب تمثيل تجاري لدولة العدو في الإمارة التي تعوم فوق بحر من الغاز في الخليج العربي... وبديهي أن مثل هذا المكتب ما كان ليقوم ويبقى، لولا مجاورته لقاعدة العيديد، وهي اكبر قاعدة عسكرية اميركية خارج الأراضي الاميركية.

يبدو السؤال عن فلسطين وكأنه من خارج السياق... فقد غدت هذه القضية العربية المقدسة من مسؤولية هيئات دولية أبرزها «الرباعية»، خصوصاً بعدما انشغل أهلها عنها، سواء «سلطتها» التي لم تعرف بعد كيف تتوحد، أو الدول العربية التي كانت تظهر الاهتمام إما لأسباب داخلية وإما لاستدراج عروض خارجية، ثم انصرفت عنها لتغرق في محلياتها، لا سيما بعد تفجر الميادين بالغضب والضياع بين موجبات الثورة والخوف من الفوضى بعد سقوط الأنظمة ولا بديل.

ومن موجبات الأمانة الاعتراف بأن التعرض للقضية الفلسطينية في هذه اللحظة أمر يفوق طاقة الأنظمة على احتماله.

وهكذا تبدو القضية متروكة للمقادير... فقيادات الداخل في الأسر، وقيادات الخارج مسترهنة ومستضعفة بخلافاتها التي لا تنتهي.

الخلاصة أن جامعة الدول العربية قد اغتالها أهلها، ولكنها لا تجد من يقيم لها حفل التأبين اللائق، لأن أحداً لا يريد أن يتحمل المسؤولية عن اغتيالها.

وليست مصادفة أن يغدو مجلس التعاون الخليجي المرجعية العربية المعتمدة دولياً... وأن تنتبه دول المغرب العربي، من ليبيا وحتى موريتانيا، إلى ضرورة النأي بنفسها عن أولئك «العرب» الذين يخلطون بين الدولة والثورة فيخسرون مرتين.

22/2/2012

Pages