You are here

قراءة كتاب خذ حصتك من القتل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
خذ حصتك من القتل

خذ حصتك من القتل

كتاب " خذ حصتك من القتل " ، تأليف نصري الصايغ ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

يوميات «الرعب المدنّس» الدين

عندما ينتهك السياسة

إننا متفقون في ردود أفعالنا، على أننا عاجزون. عاجزون عن مواجهة القتل. وإننا تدربنا بسرعة، تأسيساً على العجز، كي نصبح ماهرين في «علم التوقعات» التي ثبت أنها تقع.

العجز، هو عنواننا الفكري والعملي. دولة عاجزة، أمن عاجز، أحزاب وتيارات عاجزة، إعلام عاجز، وأناس هائمون على خوفهم، يقودهم عجزهم إلى شعور ارتعابي، وإلى «تصفية دماغهم» من الحلول، وإلى تشوهات نفسية وإنسانية ووجدانية وسياسية.

العجز، هو ما نتصف به. عجز عن التفكير، عجز عن تدبر شؤون حياتنا اليومية، عجز عن التفسير، عجز عن الفهم، عجز عن المعرفة، عجز يضعنا في حالة استعصاء مع التأقلم، إذ لا يتأقلم الإنسان مع عذاباته المستعادة حيث يصاب بالذعر والرهاب، يتحول إلى قط شارد، يتوقف عند ناحية الانفجار، ليبكي حاله، وهو يبكي ضحايا بريئة، تشلَّعت في الضاحية وطرابلس والهرمل وعرسال وبيروت وصيدا. ينتحي زاوية ليتفقد جسده المرهون لغد قاتل. يفزع إلى عائلته وأصدقائه وأهل بيته وحارته، كي يطمئن، موقتاً، على من ظل على قيد الحياة المؤجلة.

لنعترف أننا بعد كل مذبحة، بعد كل انفجار، بعد كل اغتيال، بعد كل حالة جنون، نخرج منكوبين ومدمرين ومحطمين ومشوهين، على وشك اندثار الروح... إننا نتشلع وجدانيا ونفسياً وإنسانياً. دموعنا على الضحايا والشهداء، وأحزاننا ترافق أهلهم إلى معاقرة الفجيعة. نشاركهم أحزانهم، كتمرين على استقبال أحزان شبيهة... لقد نجح الإرهاب الديني في تحويلنا إلى كائنات مهددة بعقوبة الموت، لمجرد كوننا كائنات حية، تولد وتنمو وتشرب وتأكل وتعمل وتنجب وتعيش من دون أن تكون قد ارتكبت ذنباً. فأنت معاقب لمجرد كونك كائناً حياً فقط.

هنا، لا تجد تفسيراً لوجودك الحيادي، أما إذا كنت منتظماً في حراك اجتماعي أو سياسي أو فكري أو في مشروع حرية وديموقراطية ومقاومة، فالتفسير الوحيد ينطلق من التكفير. ومع ذلك، يعصى التفسير. هناك حالة استعصاء تامة، فلا تفسير ولا تأويل يجدي في محاولة فهم التوحش، في محاولة فهم من ينتهك المحرمات، باسم الدين ورب الدين.

لا نجد من الصواب أن نتفلسف أو أن نفكر بأصول هذا التوحش، فالأصل من جهة ـ والتاريخ شاهد ـ هو أصل واحد، لأهل الحكمة والعقل والرحمة والإيمان والخير، ولأهل الجنون والفتنة والقتل والانتقام من جهة أخرى... الأصل واحد، بين من يريد أن يؤسلم نفسه بالإيمان والتقوى والتراحم والحب والعدل، وبين من يريد أسلمة الأرض وأسلمة السماء كذلك، بكل ما أوتي من بربرية ووحشية ودموية.

إن الواقع يسفه الأقوال الجميلة والنيّات الحسنة والأفكار الصائبة. لذلك، ليس مناسباً أن نعود إلى «الكتاب» ولا إلى «السيرة»، لنبحث في مآلات العنف الديني وفظائعه. يكفي أن تقف على ناصية الضاحية، أو في زوايا المسجدين في طرابلس، وفي ما ترامى إلينا من انفجارات متنقلة، كي نفهم، بالحواس الخمس، معنى الإرهاب. هذا الإرهاب لا دين له.

لدينا، نحن اللبنانيين، «معرفة حميمية» بذلك. كما عرفه الجزائريون من قبل، عندما تحول المجتمع إلى «ثعالب دينية» مفترسة. كما عاشه السوريون، في مشاعات العنف الرسمي والديني، كما يعيشه العراقيون في تواصل الذبح والانتحار. يكفينا من الحميمية ما يلي: «الإرهاب، هو الخروج صباحاً من المنزل لقضاء المرء حاجاته اليومية وهو يدرك أنه قد لا يعود مساءً إلى منزله حياً. (هل تعرفتم إلى سير الشهداء في الضاحية وطرابلس والهرمل وبيروت وعرسال و... ثم و...؟)... وأنه هو أرسل أطفاله إلى المدرسة، فيما الخوف في الأحشاء، مصحوباً بدعاء حتى يعودوا سالمين ومعافين».

إن ماريا التي قتلت عمداً، لأنها كائن حي يقطن في منطقة مختارة للتصفية، كانت على بشاعتها، أفضل من مأساة نون؟ (لاحظوا أننا نفاضل بين قتل وقتل، بين موت فاضل وموت قاتل، بين موت بانفجار أو موت بنصل السكين، بين همجية من صنف أول وأخرى من نوع بدائي، بين بريء يتساوى في براءته مع الضحايا الآخرين، ولكنه لا يتساوى في ذمة الإرهابي الديني). ماريا التي قتلت عمداً بسبب براءتها، نجت من مأساة نون. ونون، طفلة صغيرة في العاشرة، أرغمها الإرهابيون الدينيون على أن تضع فوق ركبتيها رأس أبيها الذي أقدموا، للتو، على قطعه. لقد تجمّدت من الرعب، وظلت على هذا النحو مشلولة... ومنذ ذلك الحين، أصيبت نون ببكم كامل. وربما تكون هذه طريقتها لتقول لنا إنها تفضل الحجر على البشر. (مقتبس من كتاب Liess Boukra. Algérie la terreur sacrée ).

لا رغبة لدينا بسماع تفسيرات سياسية لبنانية بائتة حول أسباب اندلاع الإرهاب والتكفير عندنا. فات أوان الأقوال. بئس التبريرات المتبادلة. بئس الاستنكارات من أطراف الشفاه. بئس الفرح المتبادل بين الخصوم، لدى سقوط الضحايا المصنفين مذهبياً. عار أننا بلغنا درجة دنيا، أقل ما يقال فيها، إننا فقدنا إحساسنا الإنساني. أنه لأمر فظيع أن يلتذ إنسان بآلام الآخرين. لا وحشية تفوق وحشية التمتع بالفريسة البريئة.

Pages