كتاب " الإستطلاع ودوره في التاريخ العربي الإسلامي لغاية 23هـ ـ 645م " ، تأليف د.
You are here
قراءة كتاب الإستطلاع ودوره في التاريخ العربي الإسلامي لغاية 23هـ ـ 645م
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الإستطلاع ودوره في التاريخ العربي الإسلامي لغاية 23هـ ـ 645م
الاستطلاع اصطلاحاً
1- ربَّ أفضل مفتاح للوصول إلى ينابيع الاستطلاع البدائية وأصولها هو الرجوع إلى الاحلام والرؤى.
يحدثنا القرآن الكريم عن رؤيا أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم u عندما رأى في المنام وهو يذبح ابنه اسماعيل u وكيف أنه همَّ بذبحه تنفيذاً لما استطلعه في الحلم، وإخبار ابنه اسماعيل بذلك، الذي شجعه على تنفيذ أمر الله عز وجل:﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات:102].
وفي قصة النبي يوسف مثل أخر على الاستطلاع من خلال الأحلام فلقد رأى يوسف في حلمه أحد عشر كوكباً من كواكب السماء خرت ساجدة له، كما رأى أيضاً الشمس والقمر ساجدة له مع الكواكب، وقال المفسرون أن الكواكب الأحدى عشر كانت اخوته والشمس والقمر أبواه. وكانت سنه إذ ذاك اثنتي عشرة سنة. وبين هذه الرؤية واجتماعه بأبيه وإخوته في مصر اربعون سنة([62]). ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ [يوسف:4].
اتفق المفسرون على ان رؤى الأنبياء هي وحي من عند الله، كما ذكر ذلك ابن عباس t([63]).
2- فيما يخص الأشخاص العاديين، فإن العقل الباطن يكون في اثناء النوم الطبيعي مفتوحاً لكل طارئ من الخواطر وكثيراً ما يكون مشغولاً آنذاك بمهمة التنفيس عن رغبات صاحبه المكبوتة. ويقال ان ابن سينا الفيلسوف المشهور كان إذا صعبت عليه مشكلة توضأ وصلى ثم نام فيرى حل تلك المشكلة في احلامه. ويروي مثل هذه القصة عن ديكارت([64]) فهو قد اكتشف كشوفه العظيمة وهو نائم في فراشه صباحاً حسبما قيل.
أما فيما يخص المستر (وليم جيمس) سكرتير المالية الأسبق في الولايات المتحدة، فإنه قد اعتاد أن يضع ورقاً وقلماً بجانب فراشه ليسجل به ما قد تكشف له الأحلام من حلول لمشاكله الكثيرة. ويحدثنا ابن خلدون أنه استعمل دعاء معيناً قبل النوم سماه «حالومية» فاطلع بها في نومه كما قال على أمور كان يتشوق إليها. ويعلل ابن خلدون هذه الحالومية في النائم تعليلاً نفسياً يقارب التعليل الحديث، فهو يقول: «... وإنما هذه الحالوميات تحدث استعداداً في النفس لوقوع الرؤيا فإذا قوي الاستعداد كان أقرب إلى حصول ما يستعد له»([65]).
3- يقول (ستيل) في كتابه (الحاسة السادسة): «... إن فارساً وجواده قد توغلا في إقليم قفر متسع الرقعة وقد اشتد بهما الظمأ، فترك العنان لفرسه يسير كما يشاء، فاتجه الفرس إلى موقع ماء كان على بعد اثني عشر ميلاً منه. وسبب ذلك أن الصورة الذهنية لهذا الماء الذي وصل إليه قد اوجدت في مخ الحصان موجة طولها كطول الموجة المنبعثة من الماء فأنساق نحو المصدر الذي تنبعث منه هذه الامواج».
كما يحكى عن «هانيبال» القائد القرطاجي الذي هزم الرومان كانت له مقدرة على قراءة فكر خصمه ومعرفة خططه. فيضع لها ما ينسفها. وكذلك «رومل» القائد الألماني المشهور في الحرب العالمية الثانية كان يؤمن بالحاسة السادسة ويستعملها في إدارة المعارك. فبينما كان قواد الانكليز يدققون ويحققون في كل خطوة يخطونها ويحسبون لكل أمر حسابه، كان رومل يباغتهم بضربة قاصمة لا تدخل في قائمة الحساب ولا تعرف تدقيقاً وتحقيقاً([66]).
4- يقع ضمن مصطلح الاستطلاع، السحر والتنجيم، ودور الكهنة والمنجمين في تحقيق الانتصارات للقادة والملوك. فعندما هزم (كورش)([67]) ملك الفرس البابليين في عهد ملكهم (بلشصر)([68]) اذ أقام حصاراً حول مدينة بابل كما أشار عليه كهنة (بل مردوك)([69]) سراً. فأمر جنوده بدخول مدينة بابل من دون قتال مستفيداً من اتفاقياته السرية مع هؤلاء الكهنة، فنجح في ذلك. وكان سبب نجاحه هذا هو استطلاعه كوامن الضعف في مملكة بابل من خلال الكهنة إذ استخدم ممارساتهم الطقسية المشحونة بالكراهية والبغضاء ضد ملكهم والتي هي أعمال سحرية([70]).
5- الاستطلاع كاصطلاح عسكري هو جهد موجه في الميدان لغرض جمع المعلومات عن العدو ومنطقة القتال لخدمة هدف استطلاع المعرفة. وتستعمل العناصر الاتية عناوين رئيسة فيه: العدو، الأرض، الطقس([71]).
وهذا يعني جمع المعلومات على مستوى التعبئة للقادة والآمرين، وكذلك على مستوى العمليات التي تتحدد في ميدان المعركة.
اما على المستوى السوقي (الاستراتيجي) فيكون من صلاحية القيادة العامة والدولة ضمن مذهب الفكر العسكري الغربي.
أمّا وجهة نظر المذهب العسكري الشرقي، فإنها تذهب إلى ابعد من ذلك فتدخل ضمن مفهوم الاستطلاع، والموقف السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي المعادي، فضلاً عن فقرات العدو، الأرض والطقس.
ويوضح ذلك مفهوم الاستطلاع المعتمد لدى الجيش المصري: (هو جميع الإجراءات التي تتخذ بوساطة القيادات للحصول على المعلومات التي تخص ما يأتي:
أ- القوات المسلحة للعدو.
ب- طبيعة مسرح العمليات المستقبلية.
ج- الموقف السياسي والاقتصادي والاجتماعي للعدو([72]).