كتاب " الإستطلاع ودوره في التاريخ العربي الإسلامي لغاية 23هـ ـ 645م " ، تأليف د.
You are here
قراءة كتاب الإستطلاع ودوره في التاريخ العربي الإسلامي لغاية 23هـ ـ 645م
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الإستطلاع ودوره في التاريخ العربي الإسلامي لغاية 23هـ ـ 645م
العلوم الفقهية والاستطلاع
لقد احتلت العلوم الفقهية مكانةً بارزةً في التاريخ العربي الإسلامي وصولاً إلى دقة تفسير ما جاء في القرآن الكريم ودقة وصحة الحديث النبوي الشريف اذ نجد أن رواة الحديث الشريف أمضوا وقتاً طويلاً ومعاناة شديدة من أجل معرفة دقة وصحة هذه الأحاديث الشريفة قاطعين المسافات الطويلة من بلد إلى بلد متجشمين عناء السفر من أجل الحصول على الحديث المتواصل كما فعل الإمام البخاري([87]) رحمه الله. وقد قال عن نفسه: ما وصفت في كتابي (الصحيح) حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين. وقال بكير بن نميرة: كان محمد بن اسماعيل يصلي ذات يوم فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة فلما قضى صلاته قال انظروا أيش هذا الذي أذاني في صلاتي فنظروا فإذا الزنبور قد ورمه في سبعة عشر موضعاً ولم يقطع صلاته([88]). وهذا ما يدلل على درجة خشوعه وورعه عند قيامه بتأدية الصلاة. وقال الغريري: سمعت محمد بن أبي حاتم وراق محمد بن إسماعيل قال: سمعته يقول ذاكرني عمرو بن علي بحديث فقلت لا اعرفه فسروا بذلك وصاروا إلى عمرو بن علي فقالوا له ذاكرنا محمد بن اسماعيل بحديث فلم يعرفه. فقال عمرو بن علي: حديث لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث([89]).
وقال عبد الله بن احمد بن حنبل: سمعت أبي يقول ما اخرجت خراسان مثل محمد بن اسماعيل. وقال الفضل بن العباس الرازي: رجعت مع محمد بن اسماعيل مرحلة وجهدت الجهد على اجيء بحديث لا يعرفه فما أمكنني. وقال صالح بن يسار: سمعت نعيماً بن حماد يقول محمد بن إسماعيل فقيه هذه الامة. وقال الحاكم: سمعت أبا الطيب يقول سمعت ابن قريحة يقول ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث الرسول ﷺ ولا أحفظ من البخاري([90]).
مما تقدم نرى أهمية ومنزلة البخاري رحمه الله في دقته وجهوده غير الاعتيادية في التمحيص والتحقق في تثبيت أحاديث الرسول ﷺ. وما شهادات الذوات الذين مرَّ ذكرهم إلا دليلاً على عبقرية وتميز محمد بن اسماعيل البخاري رحمه الله. وبذلك يستحق هذا الرجل الأمين المنزلة التي يتمتع بها على مر العصور بما له علاقة بالأحاديث النبوية الشريفة. وهذه هي إحدى الممارسات الاستطلاعية التي ساعدت على فرز الأحاديث الصحيحة من الأحاديث الموضوعة.
ومن رواة الحديث النبوي الشريف الثقاة هو مسلم([91]). حصل لمسلم في كتابه (صحيح مسلم) حظ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله إذ أن بعض الناس كان يفضله على صحيح محمد بن اسماعيل، وذلك لما اختص به في جمع الفرق وجودة السياق والمحافظة على اداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع ولا رواية. قال شيخه محمد بن عبد الوهاب الفراء: كان مسلم من علماء الناس وأوعية العلم([92]).
وهكذا نجد أن الإمام مسلم قد خدم الفقه الإسلامي شأنه شأن الإمام البخاري. فكلاهما يعدان من المصادر التي يعول عليها للأحاديث النبوية الشريفة. وكان عملهما يمثل نوعاً من الاستطلاع الفقهي كلفهما وقتاً طويلاً وجهداً متميزاً في السفر والتحقق في جمع هذه الأحاديث النبوية الشريفة التي تأتي منزلتها بعد منزلة القرآن الكريم.