كتاب " لذة النص وبهاء القراءة " ، تأليف د.
You are here
قراءة كتاب لذة النص وبهاء القراءة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
[أ] ترى...؟
[هل] ترى...؟
[هل] يصير دمي بين عينيك ماء...؟
[أ] تنسى ردائي الملطخ...؟
تلبس... [؟]
[أ] كل الرؤوس سواء..؟
[أ] قلب الغريب كقلب أخيك...؟
[أ] عيناه عينا أخيك...؟
[أ] تتساوى يد... سيفها كان لك
بيد سيفها أثكلك..؟
[فما] ذنب تلك اليمامة...؟
[كيف] تخطو على جثة ابن أبيك...؟
[كيف] تصير المليك...؟
[كيف] تنظر في يد من صافحوك فلا تبصر الدم...
في كل كف...؟
[كيف] تستنشق الرئتان النسيم المدنس...؟
[كيف] تنظر في عيني امرأة...
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها...؟
[كيف] تصبح فارسها في الغرام...؟
[كيف] ترجو غدا لوليد ينام...؟
[كيف] تحلم أو تتغنى بمستقبل لغلام
وهو يكبر - بين يديك - بقلب منكس...؟
لا تصالح.
فقراءة بنى التحول في الاستفهام المبثوث في ثنايا النص تشير الى ما يلي :
(أ) تحول السائل / إلى مجيب (تحول الانسان).
(ب) تحول زمن السؤال من الماضي / إلى زمن الاجابة الحاضر (تحول الزمان).
(ج) تحول ميدان المعركة قديما / إلى ميدان مكاني آخر حاضرا (تحول المكان).
(د) تحول السؤال من صيغة انشائية / إلى اجابة بصيغة خبرية (تحول اللغة).
(ه) تحول الفراغ الاستفهامي / إلى امتلاء معرفي بعد الاجابة (تحول المعرفة).
وهكذا تسهم التحولات في تشكيل جانب مهم من جوانب إطار النزاع والصراع واستحالة التصالح في نظر الشاعر ما دامت العلاقة الأساسية بين عناصر النص وبناه اللغوية علاقة تحولية افتراقية، وهذا مسوغ آخر لبقاء ثيمة الدم متجلية أمام عيني الشاعر، وماثلة لعيان المتلقي. زد على ذلك كونها لازمة تقوم عليها القصيدة. فصيغة (لا تصالح) وإيحاءاتها نفذت إلى باطن
اللغة وصارت نسغا لجذورها، فتشكلت في ثنائيات ضدية تبتر أية علاقة محتملة بين الأنا والآخر، وتصوغها صياغة استحالية، فلا يعود يربط بينها أي رابط سوى الثأر وهو معنى آخر من معاني (الدم).
وبما أن المقاربة النقدية هنا تستند إلى أسس فنية في التحليل وصياغة النتائج فإنه يحسن بي أن أشير إلى اختلاف منهجي مع بعض النقاد والدارسين ممن تناولوا شعر أمل دنقل، وجانب الاتكاء على رموز التراث عنده، من أجل خلق أقنعة وتقنيات فنية حداثية، ففي هذا السياق أشير إلى ضرورة عدم الاكتفاء بأدلة خارجية لكشف علاقة الشاعر بغيره من الشعراء السابقين، وأعني ما ذهب إليه رجاء النقاش من دنقل على تجربة قسطنطين كفافي(9)، وتجريد تجربة دنقل من الخصوصية والتفرد، مع أن الأخير وظّف رموز التراث العربي توظيفا واعيا، لا مقلدا للتعبير عن مواقف قومية وغضب جامح على الأوضاع العربية بوصفها واقعا قائما، أو مستقبلا ممكنا، وبرغم مشروعية وجود التأثر والتأثير، إلا أن الجذوة الحقيقية لصناعة خطاب شعري حداثوي قائم على معطيات تاريخية وتراثية تعود إلى احساس الشاعر نفسه، وإلى رؤيته الفنية والموضوعية للمعاني والأشياء ؛ وأعني بذلك أن أمل دنقل عرف باستيعابه العميق لملامح المرحلة التي عاشها، وإحساس واضح بارهاصاتها المستقبلية بناء على فهم فكري ناضج وعميق للتراث، وبالتالي، معرفة نقاط التشابه والتلاقي بين انكسارات الأمة وأخطائها التاريخية من جهة، والعديد من الهزائم والانتصارات على المستوى القومي الشامل من جهة أخرى، الأمر الذي يتيح لشاعر راء النفاذ إلى قراءة مستقبلية تكون أشبه بقرع ناقوس الخطر والتنبيه على ما هو أشد وأعظم.
ولعل الدكتور خالد الكركي كان قد ركز بشكل واضح على فهم السياق العام لتجربة أمل دنقل وفهمها على أنها توظيف بارع، وليس مجرد تأثر وتأثير، وعلى ذلك نجده يصف قصيدة (لا تصالح) بأنها عمل متميز «في استشراف للمستقبل، ووضوح الرمز الذي يصل بين ماضي وحاضر»(10) حتى تغدو القصيدة أشبه بالنبوءة ويغدو الشاعر عرافا بارعا.