كتاب " لذة النص وبهاء القراءة " ، تأليف د.
You are here
قراءة كتاب لذة النص وبهاء القراءة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ففي هذا النص نجد لغة عالية الرهافة وظفتها الشاعرة لوصف (الخمرة) والموقف منها، فاستخدام (إليها) (بها) (فيها) دلالة على إحاطة الخمرة وسلطتها وشمولها لعالم الشاعرة المكاني / وكذلك الزماني في قولها على (المدى). غير أن الإحاطة الحسية (زماناً ومكاناً) هي مجرد إحاطة أو سلطة خارجية، إذ تكشف كثافة اللغة الشعرية عن سلطة أو سيطرة أشد على الشاعرة داخلياً، أي عبر معجم شعوري يعتمد ألفاظاً نفسية وعاطفية شعورية مثل:
حنيني / وجدي / افتضاحي / لهفتي
الصبر / العهد / المودّة
ولهت / جِنّة / جنون / غرام / جِنّتي
انتشى / نشوتي / جملتي
أنفت / أغار
حميّا الحب / نشأتي / وجداني / طربت / بجملتي
فكل هذا المعجم متوالد عن حضور الخمرة التي اتخذتها الشاعرة جسراً للعبور نحو عالم من المشاعر التي ينقلنا إليها المعجم بشيء من العمق الذي يصوّر لنا شدّة التأثير ومدى تمكّن السلطة الناجمة عن اختيار لغة تحيط بالجسد والعقل والحواس بحيث تشمل الإنسان في جميع أحواله، أعني (التوازن / وعدمه).
فالاتكاء على المعجمة وكثافة الحضور اللغوي أغنى الشاعرة عن جوانب أخرى من الفن فلم نعد نجد للصورة الشعرية مثلاً، ذلك التأثير أو الدور في إبداع المعنى وتصوير الأحاسيس. إذ باتت اللغة كفيلة بذلك، وكأني بالشاعرة تعيد صياغة الأشياء والمفاهيم، فلدى الصوفية (تتسع الرؤية فتضيق العبارة) لكن عائشة الباعونية ترى أنه قد (تتسع الرؤية فتتسع العبارة) تبعاً لذلك. ولنتابع ذلك في النموذج الآتي:
بشريف ذكر الواحد الخلاّق
لذّذ فؤاداً ذاب بالأشواق
وأعدد وكرِّر ذِكره يا مطربي
وأدر سلافة حبه يا ساقي
ولكم بها غابوا عن الأغيار مذ
هاموا بها في سائر الآفاق
ولكم بها ذابت قلوب فاعتدت
تجري من الآماق والأعماق
ولكم بها قد عاش بعد مماته
حب وكم قد مات من عشّاق
وإذا تضوّع نشرها في وجهةٍ
عمّ الوجود وسائر الآفاق
فمتى أنل منها رواءً موصلاً
لفنائي في ذاك الجمال الباقي