You are here

قراءة كتاب لذة النص وبهاء القراءة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لذة النص وبهاء القراءة

لذة النص وبهاء القراءة

كتاب " لذة النص وبهاء القراءة " ، تأليف د.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

إبداع اللغة في الرمز الخمري

عند عائشة الباعونية

«مدخل ومقاربة أولية»

يظل الكون الشعري لشعراء الصوفية مفتوحاً وقابلاً لعشرات التأويلات، سواء المعتمدة على معطيات المعجم الصوفي والمعرفة العرفانية أو المعتمدة على ثراء اللغة وفيوضاتها الدلالية وديمومة التوالد الناجم عن قوة المجاز وتوثباته.

وفي هذا الإطار تدرس هذه الورقة وهج اللغة وتجليات الرمز الخمري في شعر عائشة الباعونية (11). ولأن شعر الباعونية لم يجمع في مجموع كامل مكتمل حتى الساعة، فسأعتمد على أشعار متفرقة لها في بطون المصادر والمراجع، باحثاً عن توظيفها لرمز الخمرة وسياقاته، ومعلوم أن للمتصوفة معجمهم الخاص، وعالمهم الرمزي الذي يحيط بهم، وإذا كان هذا الأمر يشكل تيسيراً للدارس في محاولة تأويل الشعر الصوفي وفهمه من جهة، فهو من جهة أخرى يعد واحداً من أهم المحاذير التي ينبغي التنبّه لها عند تناول النص الصوفي؛ ذلك أن هذه المرجعية الرمزية ربما تحيل كل النصوص الشعرية الصوفية إلى نص واحد، فلا يعود هناك أي فرق بين شاعر وآخر.

لذا ينبغي على الدارس أن يأخذ بعين الاعتبار انفتاح النص الصوفي على مرجعياته الرمزية من ناحية، وكونه بنية لغوية مغلقة ذات سمات خاصة بها من ناحية ثانية. ثم إننا في دراسة شعر عائشة الباعونية، وتناول رمزية الخمرة وتجليات معجمها اللغوي، يجب أن نلتفت إلى فرادة التجربة عند الشاعرة ذاتها، فالباعونية متصوفة لم تعتزل الحياة، بل مارست تفاصيلها التي يمارسها الإنسان العادي، وهي بذا تختلف عن رابعة العدوية على سبيل المثال، كما أن شعر المرأة في العرفان الصوفي قد يصوغ واقعاً فنياً مختلفاً عن شعر الرجل في هذا الإطار. وعلى أية حال فإن قراءتي لتجليات الإبداع اللغوي في شعر الخمرة عند الباعونية ستعنى بالنص وعناصر الإبداع الفني فيه وعلى رأسها اللغة، في محاولة لاكتناه هذه المنطقة في عالم الشاعرة، والإمساك باللحظة الجمالية التي يوظف الشاعر كل طاقاته الفنية للوصول إليها، فهذه اللحظة، أي «لحظة الاندماج الكلي، من أجلها يلجأ الصوفية إلى الرموز التي تعبّر عن نشوة المعرفة الروحية بألفاظ العشق الجسدي»(12)، وغيرها من ألفاظ اللذة والمتعة الحسيتين، لذا فاللجوء إلى الخمرة والبحث عن حال السكر مسألة تقع في صلب الرغبة بتوصيل التجربة ونقل الإحساس بها إلى الآخر على حقيقتها، خاصة وأن السكر (حال) وهو بطبيعة الحال طريق إلى (مقام).

كغيرها من المتصوفة لجأت عائشة الباعونية إلى (رمز الخمرة) للتعبير عن العديد من المعاني المتعلقة بعالمها الصوفي، وقد استفادت في هذا من تراث العرب الشعري في وصف الخمرة من ناحية، ومن تراث المتصوفة في خمرياتهم، لتعبر عن (الحب الإلهي) الذي هو غاية المتصوّف ومنتهاه، تقول:

إليها بها فيها على المدى

حنيني ووجدي وافتضاحي ولهفتي

قبيح عليَّ الصبر عنها وبيننا

عهود نراعيها بحفظ المودّةِ

ولهت بها حتى رموني بجنّة

وما بي جنون، بي غرام بجنّتي

غذيت بها في عالم الذر وانتشى

على نشوتي من شربها طفل جملتي

أنفت بها مني وأصبحت في الهوى

أغار عليها أن تمر بفكرتي

سقاني حميّا الحب من قبل نشأتي

ومن قبل وجداني طربت بنشوتي

دعاني هواه فاستجبت بجملتي

إجابة من أفنى بباقي الهويّة(13)

Pages