You are here

قراءة كتاب أكواخ الظلام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أكواخ الظلام

أكواخ الظلام

كتاب " أكواخ الظلام " ، تأليف عبدالله بن علي السعد ، والذي صدر عن

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

وأخفت هناء دمعتها.. وقبّلت أمها ثم عادت تحاول أن تنام.. ولكن أذان الفجر كان يحمل خبر رحيل الأم عن هذه الدنيا.. رحلت نعيمة تاركة الأسرة في رعاية لطف وهناء.. وكعادة الألم في حياتنا يبقى أثره في نفوسنا ولكننا ننساه بعد فترة.. وهكذا عادت الحياة إلى طبيعتها وعاد كل إلى عمله.

تولت هناء أمر البيت بعد وفاة أمها.. فكانت بالرغم من صغر سنها تقوم به أحسن قيام.. وقام لطف وتوفيق بتأمين مصاريف البيت.. وفي كل مساء كانت هناء تنتظر عودة أشقائها ليجتمع شمل الأسرة الصغيرة في الغرفة المتواضعة ولينسيهم فرح الاجتماع مرارة الفقر والحرمان.. وفي الأعماق كان يلوح خوف من فقدانهم للحظات اللقاء.

- توفيق.. ابق أنت هنا.. وأنا سأذهب إلى الناحية الأخرى.. وانطلق لطف في مرح بينما بدأ توفيق يجري بين السيارات ليبيع ما تحمله يداه.

لكن صوتاً مزعجاً جعل لطف يلتفت إلى الخلف في خوف.. ليرى سيارة تحاول الهروب بينما جسد صغير ممدد على الأرض والدماء تنزف منه لتلون الأسفلت الساخن باللون الأحمر.. فعاد يجري إلى حيث تمدد جسد أخيه، وبين الجموع التي ازدحمت لترى الحادث كان لطف يضم أخاه إلى صدره ويبكي وكأنه بهذا البكاء يريد إرجاع أخيه إلى وعيه.

تأثر بعضهم لهذا المشهد.. وحاول بعضهم الآخر المسارعة بهدف إسعاف الصغير.. ولكن المنية كانت أسرع للنفس الصغيرة من محاولات الرجال.. وفي شمس الظهيرة غادرت روح توفيق الجسد لترتفع إلى الله متخلصة من تعب الدنيا وهمومها.. وعادت الحياة تتشح بالسواد في عيون الأسرة الصغيرة.

- يا لطف.

- نعم يا أمين.

- انتبه جيداً هذه الأيام.. فأصحاب المحلات غاضبون من بيعنا بأسعار تنافسهم.

- وماذا سيفعلون؟

- لا ندري.. ربما يبلغون عنا ويقولون إننا نخالف الأنظمة وربما يتعرض بعض منهم لواحد منا بالأذى.

- لا عليك يا أمين.. الله معنا.. كما أن الدنيا لا يزال فيها خير.. وابتسم لطف.

أقبل المساء بثوبه الثقيل فغطى كل شيء.. وجلست هناء تتأمل في الأجساد الممددة وتتذكر أمها الراحلة.. كانت تظن أن الكل يغط في سباته.. ولكنها ارتبكت حين وصلها صوت لطف ليذكرها بوجوده..

- ماذا بك يا هناء؟

- لا شيء يا لطف.. لماذا لم تنم؟

- كنت نائماً.. ولكن الجو الحار أيقظني.. هل أنت بخير؟

- نعم.. كنت أفكر في أمي.. وفي...

- ماذا يا هناء؟

- أفكر فيك يا لطف.. ماذا سأفعل من دونك؟

- توكلي على الله..

- ...

- اسمعي يا هناء.. لقد وفرت مبلغاً من المال.. يمكنك أن تستفيدي منه لو حصل لي مكروه..

- ومن سيبقى معي يا لطف.. ليس المال هو كل شيء أفكر فيه..

- وابتسم لطف وربت على كتف أخته.. وضمها إلى صدره.. توكلي على الله يا أختاه.. ولا تحملي هم الغد.

انطلق لطف إلى عمله كالمعتاد.. كان يشعر بالتعب في ذلك اليوم.. وأخذ يجري من مكان إلى آخر.. وتحت الشمس الحارقة كان يفكر في إخوته الصغار.. وفجأة وصله صوت أمين..

- لطف انتبه.

والتفت لطف، وقبل أن يستوعب ما يدور حوله فوجئ بكف غليظة تضربه على وجهه... وضربة أخرى على رأسه ليفقد الوعي بعدها ويسقط بين يدي تاجر أزعجه كثيراً أن يكسب هؤلاء الأطفال شيئاً يقوت أسرتهم.. وحمل أحد المارة لطف إلى المستشفى ليبقى في غيبوبة.. ولتبقى زجاجات الماء المبعثرة شاهداً على قصة إنسان.. وفي الغرفة الصغيرة.. طالت ساعات الانتظار..

Pages