كتاب " أكواخ الظلام " ، تأليف عبدالله بن علي السعد ، والذي صدر عن
You are here
قراءة كتاب أكواخ الظلام
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بائع الحلوى
وضعت الصواني في شكل جذاب.. وفي الوقت نفسه يدل على تمرس في المهنة؛ فأصناف الكنافة تجاورت لتعطي صورة شهية ترغم الناس على الشراء.. وإلى جانبها البقلاوة وأنواعها.. وفي الزاوية وضعت علب حلوى مختلفة الأحجام على شكل هرم، وقد علقت فوقها لوحة كتب عليها بخط نسخي جميل عبارة "العروض الخاصة".
- محمد.. تعال ساعدني لننقل هذه الطاولة إلى الخارج.
ويتحرك محمد الغلام الأشقر ذو الخمسة عشر ربيعاً ليساعد والده في نقل طاولة بدت كبيرة جداً بالنسبة إليه.. ويرفعها في مجهود ظاهر ليمشي مترنحاً.
- يا محمد.. انتبه أما زلت طفلاً؟.. احمل الطاولة جيداً.
وفي صمت من تعود على العتاب يضغط محمد على شفتيه.. ويحمر وجهه وتتكون حبات عرق صغيرة فوق جبهته الحمراء.
- أنت لا تصلح لشيء.. انتبه للزبائن هناك.. يا الله كن رجلاً.
يعيش محمد مع أسرته الكبيرة في المهجر، كغيره من الأسر التي تركت وطنها بعد الحرب لتستقر في معظم دول العالم.. متمسكين بهويتهم الأصلية في مجتمعات متعددة الهويات.. ونظراً لشهرتهم في صناعة الحلوى فقد عرفوا بين الناس بعائلة الحلواني.. وهي المهنة التي تناقلوها أباً عن جد.. وعرفوا أصولها وفنونها.
ومحمد هو الابن الأوسط في الأسرة الكبيرة.. طالب يوزع وقته بين مدرسته ومحل أبيه وقضاء متطلبات المنزل.. ثم إن بقي وقت وهذا نادر صرفه بين أقرانه ولم يكن له صديق مقرب منه سوى مهاجر آخر اسمه سعيد.
اقترب شهر رمضان.. ولا بد من بعض التغييرات التي تناسب المحل في هذا الشهر.. ولانشغال الإخوة في المحلات الأخرى فقد بقي محمد مرافقاً لوالده متحملاً التعب واللوم.. وكان يتأثر بذلك ويتمنى لو يتوقف والده عن انتقاصه وخاصة أمام الناس، ولكن الخوف كان يلجمه فيصمت.. لم تكن حدود محمد تنتهي عند باب المحل.. فقد كان كغيره ممن تركوا أوطانهم ورحلوا يفكر في العودة إلى مرابع أجداده.. وأصول أسرته، وهذا الهم أعطاه مظهراً ساهماً حزيناً يشعر الرائي بانكساره.. ويقرأ في صفحاته تاريخ معاناة أكبر من عمره الصغير.
بعد صلاة العصر يبدو الكل متعباً.. ولكن سعيداً بقدوم الشهر.. وأمام كل باب تسمع منادياً يدعو إلى بضاعته المعروضة في بساطة تدل على ذوق وطيبة قلب.. وقبل الإفطار يتحرك الكل في عجلة ليدرك الإفطار مع أسرته وليجتمع الكل حول عميد الأسرة. وفي الليل تتغير الدنيا في رمضان.. فليل رمضان حياة وأنس. لكن قلباً صغيراً كان يرتجف في رمضان.. يشعر بالأنس أكثر من أي وقت مضى.. يرغب في العودة إلى بلاده عله يصيب فيها لحظات تربطه بماضٍ يحن إليه.
- ما بك يا محمد؟
- لا شيء يا أمي.
- تبدو متغيِّراً هذه الأيام؟ قل لي يا بني لا تخفِ عني شيئاً.
- أماه.. متى سنرجع إلى ديارنا؟
- آيه يا بني.. هذا الشيء في علم الله وحده.
- لماذا لا نعود يا أماه؟
- ليس هذا في يدنا يا بني.. بل ليس هذا في يد أحد غير الله.
تنقضي الأيام مسرعة.. والشهر يعقبه الشهر.. والطفل يصبح شاباً. والشاب يصبح رجلاً كبيراً.. يتم محمد دراسته، ويتخصص في إدارة الأعمال رغبة منه في تحقيق حلمه الذي سعى إليه طوال حياته.. دون أن يشاركه أحد همه إلا صديق العمر.. سعيد.
- ماذا تنوي يا محمد؟
- سأسافر للاستثمار في بلادي.. لقد كونت رأس مال لا بأس به ويمكنني أن أبدأ أي مشروع هناك.